[(مسألة:)]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَمَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أن يتماسا} وَقَّتَ لِأَنْ يُؤَدِّيَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمُمَاسَّةِ حَتَّى يُكَفِّرَ وَكَانَ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ عُقُوبَةً مُكَفِّرَةً لِقَوْلِ الزُّورِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَمَّا تَحْرِيمُ وَطْئِهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ فَمَأْخُوذٌ مِنَ النَّصِّ قَالَ اللَّهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يتماسا} فَجَعَلَ الْوَطْءَ غَايَةً لِوَقْتِ التَّكْفِيرِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكَانَ هَذَا عُقُوبَةً مُكَفِّرَةً لِقَوْلِ الزُّورِ لِأَنَّهُ قَدْ أَثِمَ بِهِ فَكَفَّرَ عَنْ مَأْثَمِهِ، فَلَوْ أَنَّهُ وَطِئَ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ كَانَ عَاصِيًا بِوَطْئِهِ كَمَعْصِيَتِهِ بِالْوَطْءِ فِي إِحْرَامٍ أَوْ حَيْضٍ وَلَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ عَنْهُ وَلَا تَتَضَاعَفُ عَلَيْهِ. قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَمُنْتَصِرُ بْنُ دُوسْتَ وَمُجَاهِدٌ تَتَضَاعَفُ عَلَيْهِ فَتَلْزَمُهُ كَفَّارَاتٌ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالزُّهْرِيُّ تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالْقِيَاسِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمَرَ سَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ الْبَيَاضِيَّ وَقَدْ وَطِئَ فِي ظِهَارِهِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ أَنْ يُكَفِّرَ كَفَّارَةً وَاحِدَةً فَلَمْ يُسْقِطْهَا وَلَمْ يُضَعِّفْهَا فَكَانَ نَصًّا يبطل به القولين. ولأن الكفارة عبارة مُؤَقَّتَةٌ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ فَلَمْ يَكُنْ فَوَاتُ وَقْتِهَا مُبْطِلًا لَهَا وَلَا مُوجِبًا لِمُضَاعَفَتِهَا كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ:)
فَأَمَّا تَعْجِيلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ قَبْلَ وُجُوبِهَا، فَإِنْ كَانَ مُكَفِّرًا بِالصَّوْمِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ عِبَادَاتِ الْأَبْدَانِ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ الْوُجُوبِ، وَإِنْ كَفَّرَ بِالْعِتْقِ أَوِ الْإِطْعَامِ فإن كان قبل الظهار والعود لم يجزه لِأَنَّ حُقُوقَ الْأَمْوَالِ إِذَا تَعَلَّقَ وُجُوبُهَا بِشَرْطَيْنِ لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الظِّهَارِ وَقَبْلَ الْعَوْدِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا عُقَيْبَ ظِهَارِهِ ثُمَّ يُكَفِّرَ قَبْلَ مُرَاجَعَتِهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا لِوُجُودِ أَحَدِ شُرُوطِهَا كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ بَعْدَ النِّصَابِ وَقَبْلَ الْحَوْلِ وَكَتَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ الْيَمِينِ وَقَبْلَ الْحِنْثِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا مَعَ وُجُودِ أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ، لِأَنَّ الثَّانِيَ مِنْهُمَا مَحْظُورٌ فَصَارَ بِالتَّعْجِيلِ مُتَهَيِّأً لِارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي تَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ بِالْيَمِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ إِذَا كَانَ الْحِنْثُ معصية.
قال الشافعي رضي الله عنه: (فَإِذَا مُنِعَ الْجِمَاعَ أَحْبَبْتُ أَنْ يُمْنَعَ الْقُبَلَ وَالتَّلَذُّذَ احْتِيَاطًا حَتَّى يُكَفِّرَ فَإِنْ مَسَّ لَمْ تَبْطُلِ الْكَفَّارَةُ كَمَا يُقَالُ لَهُ أَدِّ الصَّلَاةَ فِي وَقْتِ كَذَا وَقَبْلَ وَقْتِ كَذَا فَيَذْهَبُ الوقت فيؤديها بعد الوقت لأنها فرصه) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا وَطْءُ الْمُظَاهِرِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ فَقَدْ ذَكَرْنَا تَحْرِيمَهُ بِالنَّصِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute