أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: أَنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحِ تَفْوِيضٍ، لِعَدَمِ الشَّرْطِ فِي سُقُوطِ الْمَهْرِ، وَيَكُونُ مَهْرُ الْمِثْلِ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ نِكَاحُ تَفْوِيضٍ لِأَنَّ إِسْقَاطَ ذِكْرِهِ فِي الْعَقْدِ، كَاشْتِرَاطِ سُقُوطِهِ فِي الْعَقْدِ، فَعَلَى هَذَا، لَا مَهْرَ لَهَا بِالْعَقْدِ، إِلَّا أَنْ تَتَعَقَّبَهُ أَحَدُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ.
فَهَذَا حُكْمُ التَّفْوِيضِ إِذَا كَانَ عَنْ إِذْنِهَا.
فَصْلٌ
فَأَمَّا إِذَا فَوَّضَ الْوَلِيُّ نِكَاحَهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ مِمَّنْ لَا يُنْكِحُ إِلَّا بِإِذْنٍ، كَسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ مَعَ الثَّيِّبِ، وَغَيْرِ الْأَبِ مَعَ الْبِكْرِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهَا فِي النِّكَاحِ، وَلَا فِي التَّفْوِيضِ، كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا، فَإِنِ اسْتَأْذَنَهَا فِي النِّكَاحِ، وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهَا فِي التَّفْوِيضِ صَحَّ النِّكَاحُ وَبَطَلَ التَّفْوِيضُ، وَكَانَ لَهَا بِالْعَقْدِ مَهْرُ الْمِثْلِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ مِمَّنْ يَصِحُّ أَنْ يُنْكِحَ بِغَيْرِ إِذْنٍ، كَالْأَبِ مَعَ الْبِكْرِ، فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ بِغَيْرِ إِذْنِهَا. فَأَمَّا صِحَّةُ التَّفْوِيضِ بِغَيْرِ إِذْنِهَا فَمُعْتَبَرٌ بِاخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ الزَّوْجُ دُونَ الْأَبِ، بَطَلَ تَفْوِيضُ الْأَبِ.
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ الْأَبُ فَفِي صِحَّةِ تَفْوِيضِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَلَهَا بِالْعَقْدِ مَهْرُ الْمِثْلِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ صَحِيحٌ كَالْعُقُودِ وَلَيْسَ لَهَا بِالْعَقْدِ مَهْرٌ.
فَصْلٌ
فَأَمَّا السَّيِّدُ إِذَا فَوَّضَ نِكَاحَ أَمَتِهِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِي التَّفْوِيضِ، لِأَنَّ الْمَهْرَ لَهُ دُونَهَا، فَلَوْ فَرَضَ لَهَا الْمَهْرَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ أَنْ بَاعَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا فَفِي مُسْتَحِقِّ الْمَهْرِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هِيَ إِنْ أُعْتِقَتْ، وَمُشْتَرِيهَا إِنْ بِيعَتْ، لِأَنَّ مَهْرَهَا لَمْ يَجِبْ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بِالْفَرْضِ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لِلسَّيِّدِ الْمُنْكِحِ، لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهِ كَانَ فِي مِلْكِهِ.
فَأَمَّا تَفْوِيضُ الْمَهْرِ فَسَيَأْتِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْقَوْلُ فِي مَهْرِ الْمُفَوَّضَةِ بَعْدَ الدخول
[مسألة]
قال الشافعي: " فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، الْمُفَوَّضَةُ لِنِكَاحِهَا إِذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ فلها مهر المثل، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا " وَلِتَخْرُجَ بِالْتِزَامِ الْمَهْرِ مِمَّا خُصَّ بِهِ