وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: الصَّبْرُ عَنِ النِّسَاءِ خَيْرٌ مِنَ الصَّبْرِ عَلَيْهِنَّ، وَالصَّبْرُ عَلَيْهِنَّ خَيْرٌ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى النَّارِ.
وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: مِسْكِينٌ مِسْكِينٌ رَجُلٌ لَا امْرَأَةَ لَهُ وَمِسْكِينَةٌ مِسْكِينَةٌ امْرَأَةٌ لَا رَجُلَ لَهَا فَأَخْرَجَ ذَلِكَ مَخْرَجَ الرَّحْمَةِ، وَتَارِكُ الْوَاجِبِ لَا يحرم؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ مَقْصُودُ النِّكَاحِ وَهُوَ الْوَطْءُ كَانَ النِّكَاحُ بِأَنْ لَا يَجِبَ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي النِّكَاحِ أَكْثَرُ مِنْ نَيْلِ شَهْوَةٍ، وَإِدْرَاكِ لَذَّةٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ كَسَائِرِ الشَّهَوَاتِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَطْعُ شَهْوَتِهِ بِالنِّكَاحِ لَوَجَبَ قَطْعُهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ بِمَا قَامَ مَقَامَهُ مِنْ دَوَاءٍ وَعِلَاجٍ، وَلِأَنَّ مَا دَعَتْ إِلَيْهِ الشَّهَوَاتُ خَارِجٌ مِنْ جُمْلَةِ الْوَاجِبَاتِ؛ لأن من صفات الواجبات تكلف المشاق فيها وَتَحَمَّلُ الْأَثْقَالِ لَهَا فَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ جَعَلْنَاهَا دَلِيلًا.
وَأَمَّا الْخَبَرُ فَهُوَ أَمْرٌ بِالنِّكَاحِ لِلْمُكَاثَرَةِ بِالْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ " تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الْأُمَمَ حَتَّى بِالسَّقْطِ " وَلَيْسَتِ الْمُكَاثَرَةُ وَاجِبَةً، وكذلك ما جعل طريقاً إليها.
أما قَوْلُهُ: أَنَّ فِيهِ تَحْصِينَ النَّفْسِ، فَإِنَّمَا يَجِبُ مِنْ تَحْصِينِ النَّفْسِ مَا خِيفَ مِنْهُ التَّلَفُ، وَلَيْسَ فِي تَرْكِ النِّكَاحِ خَوْفُ التَّلَفِ.
وَأَمَّا قوله لما لزمه إِعْفَافُ أَبِيهِ لَزِمَهُ إِعْفَافُ نَفْسِهِ فَقَدْ كَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ يَقُولُ: إِنَّ إِعْفَافَ أمته لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِعْفَافُ ابْنِهِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وُجُوبُهُ وَلَا يَجُبْ عليه في نفسه كما يلزمه فِي حَقِّ أَبِيهِ الْقِيَامُ بِكِفَايَتِهِ مِنَ الْقُوتِ والكسوة ولا يلزمه ذلك في حق نفسه، فكذلك النكاح.
فأما قول عمر لأبي الزوائد: ما منعك مِنَ النِّكَاحِ إِلَّا عَجْزٌ أَوْ فُجُورٌ، فَهُوَ عَلَى طَرِيقِ التَّرْغِيبِ دُونَ الْوُجُوبِ، وَلَوْ كَانَ واجباً لزمه وَأَمَّا قَوْلُ مُعَاذٍ: زَوِّجُونِي لَا أَلْقَى اللَّهَ عَزَبًا، فَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ ذَا أولادٍ ويجوز أن يكون اختار ذلك ندباً.
[مسألة]
قال الشافعي: " وَمَنْ لَمْ تَتُقْ نَفْسُهُ إِلَى ذَلِكَ فَأَحَبُّ إلي أن يتخلى لعبادة الله تعالى (قال) وقد ذكر الله تعالى {وَالقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء) {النور: ٦٠) وذكر عبداً أكرمه فقال " سيداً وحصوراً " والحصور الذي لا يأتي النساء ولم يندبهن إلى النكاح فدل أن المندوب إليه من يحتاج إليه ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو حَالُ الْإِنْسَانِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ تَائِقَ النَّفْسِ إِلَى النِّكَاحِ شَدِيدَ الشهوة له تنازعه نفسه إليه وإن لم يُحَدِّثْهَا بِهِ فَهَذَا مَنْدُوبٌ إِلَى النِّكَاحِ وَمَأْمُورٌ بِهِ، وَنِكَاحُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ؛ لِئَلَّا تَدْعُوَهُ شدة الشهوة إلى مُوَاقَعَةَ الْفُجُورِ، وَفِي مِثْلِهِ وَرَدَتْ أَخْبَارُ النَّدْبِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَصْرُوفَ الشَّهْوَةِ عَنْهُ غَيْرَ تَائِقٍ إِلَيْهِ، وَمَتَى حَدَّثَ نَفْسَهُ بِهِ لَمْ تُرِدْهُ، فَالْأَفْضَلُ لِمِثْلِ هَذَا أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهُ وَتَرَكُهُ أَفْضَلُ لَهُ مِنْ فِعْلِهِ، لِئَلَّا يَدْعُوَهُ الدُّخُولُ فِيهِ