اسْتِحْبَابَ أَخْذِهَا دُونَ إِيجَابِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَرْكَ اللُّقَطَةِ إِذَا وَجَدَهَا فَكَانَ ظَاهِرُ هَذَا الْقَوْلِ يَدُلُّ عَلَى إيجاب أخذها فاختلف أصحابنا لِاخْتِلَافِ هَذَيْنِ الظَّاهِرَيْنِ وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَطَّانِ وَطَائِفَةٌ يُخْرِجُونَ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَخْذَهَا اسْتِحْبَابٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى ظَاهِرِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤْتَمَنٍ عَلَيْهَا وَلَا مُسْتَوْدِعٌ لَهَا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ أَخْذَهَا وَاجِبٌ وَتَرْكَهَا مَأْثَمٌ لِأَنَّهُ كَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ حِرَاسَةُ نَفْسِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَجَبَ عَلَيْهِ حِرَاسَةُ مَالِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ.
وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا: لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ فَالْمَوْضِعُ الَّذِي لَا يَأْخُذُهَا إِذَا كَانَتْ تُؤْمَنُ عَلَيْهَا وَيَأْخُذُهَا غَيْرُهُ مِمَّنْ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ فِيهَا وَالْمَوْضِعُ الَّذِي أَوْجَبَ عَلَيْهِ أَخْذَهَا إِذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا وَيَأْخُذُهَا غَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ فِيهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التعاون وعلى كلا الحالتين لَا يُكْرَهُ لَهُ أَخْذُهَا إِذَا كَانَ أَمِينًا عَلَيْهَا وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَرِهَا أخذها وروي أن شريح مَرَّ بِدِرْهَمٍ فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ وَفِي هَذَا الْقَوْلِ إِبْطَالُ التَّعَاوُنِ وَقَطْعُ الْمَعْرُوفِ وَقَدْ أَخَذَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الصُّرَّةَ الَّتِي وَجَدَهَا وَأَخَذَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ الدِّينَارَ وَأَخْبَرَا بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا وَلَا كَرِهَهُ لَهُمَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْكِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهَا أَوْ ضَعِيفًا عَنِ الْقِيَامِ بِهَا وَنَحْنُ نَكْرَهُ لِغَيْرِ الْأَمِينِ عَلَيْهَا وَلِلضَّعِيفِ عَنِ الْقِيَامِ بِهَا أَنْ يَتَعَرَّضَ لِأَخْذِهَا وَإِنَّمَا نَأْمُرُ بِهِ مَنْ كَانَ أَمِينًا قَوِيًّا فَلَوْ تَرَكَهَا الْقَوِيُّ الْأَمِينُ حَتَّى هَلَكَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَسَاءَ فَإِنْ أَخَذَهَا لَزِمَهُ الْقِيَامُ بِهَا وَإِنْ تَرَكَهَا بَعْدَ الْأَخْذِ لَزِمَهُ الضَّمَانُ وَلَوْ رَدَّهَا عَلَى الْحَاكِمِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الضَّوَالِّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ أَخْذِ الضَّوَالِّ فَضَمِنَهَا وَغَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ أَخْذِ اللُّقَطَةِ فَلَمْ يضمنها.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فَعَرَّفَهَا سَنَةً عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَمَوَاضِعِ الْعَامَّةِ وَيَكُونُ أَكْثَرُ تَعْرِيفِهِ فِي الْجُمُعَةِ الَّتِي أَصَابَهَا فِيهَا فَيَعْرِفُ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَعَدَدَهَا وَوَزْنَهَا وَحِلْيَتَهَا وَيَكْتُبُهَا وَيُشْهِدُ عَلَيْهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: وَاجِدُ اللُّقَطَةِ وَإِنْ كَانَ مُخَيَّرًا فِي أَخْذِهَا فَعَلَيْهِ بَعْدَ الْأَخْذِ الْقِيَامُ بِهَا وَالْتِزَامُ الشُّرُوطِ فِي حِفْظِهَا عَلَى مَالِكِهَا وَالشُّرُوطِ الَّتِي يُؤْمَرُ بِهَا أَخْذُ اللُّقَطَةِ سَبْعَةُ أَشْيَاءٍ جَاءَ النَّصُّ بِبَعْضِهَا وَالتَّنْبِيهُ عَلَى بَاقِيهَا.
أَحَدُهَا مَعْرِفَةُ عِفَاصِهَا وَهُوَ ظَرْفُهَا الَّذِي هِيَ فِيهِ عند التقاطها.
والشرط التالي معرفة وكاءها وَهُوَ الْخَيْطُ الْمَشْدُودَةُ بِهِ وَبِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ جَاءَ النَّصُّ وَلِأَنَّهَا تَتَمَيَّزُ بِمَعْرِفَةِ هَذَيْنِ عَنْ جَمِيعِ أَمْوَالِهِ فَيَأْمَنُ اخْتِلَاطَهَا بِهَا.
وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ مَعْرِفَةُ عَدَدِهَا تَنْبِيهًا بِالنَّصِّ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ عَدَدِهَا أَحْوَطُ مِنْ تَمَيُّزِهَا عَنِ الظَّرْفِ لِأَنَّ الظَّرْفَ قَدْ يشتبه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute