للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّ الْوَطْءَ مَنْفَعَةٌ لَا تُسْتَبَاحُ بِالْعَارِيَةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تُسْتَبَاحَ بِالْقَرْضِ كَالْحُرَّةِ.

فَإِذَا صَحَّ مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَخْلُو حَالُ الْجَارِيَةِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَسْتَبِيحُ الْمُقْتَرِضُ وَطْأَهَا. أَوْ مِمَّنْ لَا يَسْتَبِيحُ وَطْأَهَا فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ يَسْتَبِيحُ وَطْأَهَا فِي الْحَالِ أَوْ فِي ثَانِي الْحَالِ عِنْدَ إِحْلَالٍ مِنْ إِحْرَامٍ أَوْ إِسْلَامٍ مِنْ رِدَّةٍ أَوْ خُرُوجٍ مِنْ عِدَّةٍ لَمْ يَجُزْ قَرْضُهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمَعْنَى.

وَلَا يَصِحُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُزَنِيُّ مِنْ تَأْوِيلِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي جَوَازِ قَرْضِهِنَّ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا ثَانِيًا كَمَا وَهَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا.

بَلْ مَنْصُوصَاتُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى تَحْرِيمِ قَرْضِهِنَّ.

وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَسْتَبِيحُ الْمُقْتَرِضُ وَطْأَهَا إِمَّا لِكَوْنِهَا ذَاتَ مَحْرَمٍ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْمُقْتَرِضَ امْرَأَةٌ فَفِي جَوَازِ قَرْضِهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ إنَّ قَرْضَهَا إِذَا حَرُمَ وَطْؤُهَا جَائِزٌ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى وَأَنَّهُ قَرْضٌ لَا يُفْضِي إِلَى اسْتِبَاحَةِ الْوَطْءِ فَجَرَى مَجْرَى قَرْضِ الْعَبِيدِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ إنَّ قَرْضَ مَنْ حَرُمَ وَطْؤُهَا لَا يَجُوزُ كَمَا أَنَّ قَرْضَ مَنْ حَلَّ وَطْؤُهَا لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُنَّ يَصِرْنَ جِنْسًا لَا يَجُوزُ قَرْضُهُ، وَلِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ قَرْضُهُ مِنْ شَخْصٍ لَا يَجُوزُ قَرْضُهُ مِنْ غَيْرِهِ كَالْمُبَاحَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ قَرْضِ مَا ذَكَرْنَا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا بِمَاذَا يُمْلَكُ الْقَرْضُ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لِلْمُقْتَرِضِ بِالْقَبْضِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ دَلَّ عَلَى حُصُولِ الْمِلْكِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُمْلَكُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ عَقْدُ إِرْفَاقٍ لِلْمُقْرِضِ بَعْدَ الْقَبْضِ اسْتِرْجَاعُهُ وَلِلْمُقْتَرِضِ رَدُّهُ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِلْكُهُ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فَلِلْمُقْرِضِ مَعَ بَقَاءِ الْقَرْضِ فِي يَدِ الْمُقْتَرِضِ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ سَوَاءً تَصَرَّفَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَتَصَرَّفْ، وَلَيْسَ لِلْمُقْتَرِضِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنِ اسْتِرْجَاعِ عَيْنِهِ بِإِعْطَاءِ بَدَلِهِ، لِأَنَّ كُلَّ عَيْنٍ اسْتُحِقَّتْ فَاسْتِرْجَاعُهَا مَعَ بَقَائِهَا أَوْلَى مِنِ اسْتِرْجَاعِ بَدَلِهَا.

فَلَوْ كَانَ الْقَرْضُ قَدْ خَرَجَ عَنْ يَدِ الْمُقْتَرِضِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ كَانَ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِبَدَلِهِ فَإِنْ كَانَ ذَا مِثْلٍ فَمِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذِي مِثْلٍ فَفِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ بِقِيمَتِهِ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُقْتَرِضُ أَنْ يَسْتَرْجِعَ الْعَيْنَ الَّتِي مُلِّكَتْ عَلَيْهِ لِيَرُدَّهَا عَلَى الْمُقْرِضِ بِعَيْنِهَا، لِأَنَّ مَنْ صَارَتْ إِلَيْهِ لَا يَلْزَمُهُ رَفْعُ يَدِهِ عَنْهَا وَلَا إِزَالَةُ مِلْكِهِ.

فَلَوْ عَادَتْ إِلَى مِلْكِ الْمُقْتَرِضِ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْهُ بِابْتِيَاعٍ أَوْ هِبَةٍ أو ميراث فهل للمقرض الرجوع بِعَيْنِهَا أَوْ بِبَدَلِهَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>