وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي بُطْلَانِ الْقِسْمَةِ فِيمَا عَدَاهُ:
فَخَرَّجَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ، مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الْبَيْعِ.
وَذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ، وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا، إِلَى بُطْلَانِ الْقِسْمَةِ فِي الْجَمِيعِ قُولًا وَاحِدًا، سَوَاءٌ قِيلَ إِنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ أَوْ إِفْرَازُ حَقٍّ.
لِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُسْتَحَقَّ لِشَرِيكٍ ثَالِثٍ لَمْ يُقَاسِمْهُمَا، فَصَارَ كَأَرْضٍ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ غَابَ أَحَدُهُمْ، فَاقْتَسَمَهَا الْحَاضِرَانِ عَلَى أَنْ تَكُونَ حِصَّةُ الْغَائِبِ مُشَاعَةً فِي سَهْمِ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَتِ الْقِسْمَةُ بَاطِلَةً فِي الْجَمِيعِ كَذَلِكَ فِي السَّهْمِ الْمُسْتَحَقِّ.
وَإِنَّمَا بَطَلَتْ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ السَّهْمَ الْمُسْتَحَقَّ وَسَهْمَ الْغَائِبِ كَانَ مُشَاعًا فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ يَقْدِرُ عَلَى إِحَازَتِهِ مُجْتَمِعًا بِالْقِسْمَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ فِي مِلْكَيْنِ لَا يَقْدِرُ عَلَى جَمْعِهِ بِالْقِسْمَةِ.
( [ظُهُورُ دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ] ) .
(مَسْأَلَةٌ)
: قال الشافعي: " أَوْ لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ فَبِيعَ بَعْضُهَا انْتَقَضَ الْقَسْمُ وَيُقَالُ لَهُمْ فِي الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ إِنْ تَطَوَّعْتُمْ أَنْ تُعْطُوا أَهْلَ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ أَنَفَذْنَا القسم بينكم وإلا القضاء عَلَيْكُمْ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُوُرَتُهَا: فِي أَرْضٍ أَوْ دَارٍ اقْتَسَمَهَا وَارِثَانِ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي بَيْعِ الْوَرَثَةِ لِمِلْكٍ مِنَ التَّرِكَةِ فِي حُقُوقِ أَنْفُسِهِمْ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ مُرْتَهَنَةٌ بِالدَّيْنِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا كَالرَّهْنِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتَعَيَّنُ اسْتِحْقَاقُهُ مِنَ التَّرِكَةِ لِجَوَازِ قَضَائِهِ مِنْ غَيْرِهَا.
وَخَالَفَ الرَّهْنَ لِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالرَّهْنِ عَنِ اخْتِيَارٍ، وَتَعَلُّقِهِ بِالتَّرِكَةِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ.
وَفِي بَيْعِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ عَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ، قَوْلَانِ كَبَيْعِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَالْمَالِ إذا وجبت في الزَّكَاةُ، كُلُّ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ، لِوُجُوبِهِ عَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ، وَبَطَلَ فِي الرَّهْنِ لِوُجُوبِهِ عَنِ اخْتِيَارٍ.
وَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ فِي بَيْعِ التَّرِكَةِ كَانَتِ الْقِسْمَةُ بِنَاءً عَلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهَا إِفْرَازُ حَقٍّ وَتَمْيِيزُ نَصِيبٍ صَحَّتِ الْقِسْمَةُ.
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهَا بَيْعٌ فَفِي بُطْلَانِهَا قَوْلَانِ كَالْبَيْعِ.