وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ عَلَى مُوسِرٍ غَائِبٍ فَفِي خِيَارِهَا وَجْهَانِ مِنَ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي زَوْجَةِ الْمُوسِرِ الْغَائِبِ.
وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ هُوَ غَائِبٌ عَنْهُ يَنْتَظِرُ قُدُومَهُ عَلَيْهِ لِيُنْفِقَ مِنْهُ، فَيُنْظَرُ فِي غَيْبَةِ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ لَا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهَا الصَّلَاةُ فَلَا خِيَارَ لَهَا، لِأَنَّ مَالَهُ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ وَيُؤْخَذُ بِتَعْجِيلِ نَقْلِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدَ الْمَسَافَةِ عَلَى أَكْثَرَ من يوم وليلة فهو في حكم التائه ومالكه كالمعدوم فَيَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ.
وَالْقِسْمُ السَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِمَالٍ حَاضِرٍ قَدِ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِ فِي دُيُونِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا قَبْلَ قَضَاءِ الدُّيُونِ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْهُ قَبْلَ قَضَاءِ الدُّيُونِ، وَالْمُسْتَحَقُّ فِي قَضَائِهِ مَا فَضُلَ عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ، فَإِذَا قَضَى دَيْنَهُ صَارَ بَعْدَ يَوْمِهِ مُعْسِرًا.
وَالْقِسْمُ السَّابِعُ: أَنْ يَعْجِزَ عَنْ حَلَالِ الْكَسْبِ وَيَقْدِرَ عَلَى مَحْظُورِهِ. فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ أَعْيَانًا مُحَرَّمَةً كَأَمْوَالِ السَّرِقَةِ وَالتَّطْفِيفِ وَأَثْمَانِ الْخُمُورِ وَالْخَنَازِيرِ، فَالْوَاجِدُ لَهَا كَالْعَادِمِ لِحَظْرِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ فَيَكُونُ لِزَوْجَتِهِ الْخِيَارُ بِالْإِعْسَارِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُوصِلُ إِلَيْهِ مَحْظُورًا كَصُنَّاعِ الْمَلَاهِي الْمَحْظُورَةِ، لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَحْظُورٍ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ مَا سُمِّيَ لَهُ مِنَ الْأُجْرَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَحِقَّ لِتَفْوِيتِ عَمَلِهِ أَجْرًا فَيَصِيرَ بِهِ مُوسِرًا وَلَا يَكُونَ لِزَوْجَتِهِ خِيَارٌ، وَكَذَلِكَ كَسْبُ الْمُنَجِّمِ. وَالْكَاهِنِ قَدْ يَتَوَصَّلُ إِلَيْهِ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ لَكِنَّهُ قَدْ أُعْطِيَ عَنْهُ عَنْ طِيبِ نَفْسِ الْمُعْطِي فأجرى مجرى الهبة، وإن كان محظوراً السَّبَبِ فَسَاغَ لَهُ إِنْفَاقُهُ وَخَرَجَ بِهِ مِنْ حُكْمِ الْمُعْسِرِينَ وَسَقَطَ بِهِ خِيَارُ زَوْجَتِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّامِنُ: أَنْ يَكُونَ عَجْزُهُ عَنِ النَّفَقَةِ لِعُدْمٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى النَّفَقَةِ مِنْ مِلْكٍ وَلَا كَسْبٍ فَهَذَا هُوَ الْمُعْسِرُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الَّذِي تَسْتَحِقُّ زَوْجَتُهُ الْخِيَارَ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا اسْتِحْقَاقُهَا لِلْخِيَارِ بِالْإِعْسَارِ فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهَا تَسْتَحِقُّهُ عَلَى الْفَوْرِ فِي يَوْمِهَا مِنْ غَيْرِ إِنْظَارٍ وَلَا تَأْجِيلٍ وَبِهِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ، لِأَنَّهُ خِيَارُ فَسْخٍ بِعَيْبٍ فَأَشْبَهَ الْفَسْخَ بِسَائِرِ الْعُيُوبِ، وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَى الْفَوْرِ فَكَانَ مَا فِي مُقَابَلَتِهِ مِنْ فَسْخِ الْإِعْسَارِ مُسْتَحَقًّا عَلَى الْفَوْرِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَبِهِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ إِنَّهُ يُؤَجَّلُ ثلاثاً لا يزاد عليها ولا تفسح الزَّوْجَةُ قَبْلَ مُضِيِّهَا لِأَمْرَيْنِ: