وَإِنْ كَانَ مَا شَهِدُوا بِهِ لَيْسَ بِمَالٍ، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَبْطُلُ بِالشُّبْهَةِ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، فَهُوَ كَالْمَالِ فِي نُفُوذِ الْحُكْمِ بِهِ. فَلَا يَبْطِلُ بِرُجُوعِ الشُّهُودِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالْحُدُودِ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَحْضَةِ كَحَدِّ الزِّنَا وَجَلْدِ الْخَمْرِ وَقَطْعِ السَّرِقَةِ فَيَسْقُطُ بِرُجُوعِ الشُّهُودِ كَمَا يَسْقُطُ بِرُجُوعِ الْمُقِرِّ، لِأَنَّ رُجُوعَ الشُّهُودِ شُبْهَةٌ تُدْرَأُ بِمِثْلِهَا الْحُدُودُ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الْمَحْضَةِ كَالْقِصَّاصِ.
وَحَدِّ الْقَذْفِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِمَّا إِذَا سَقَطَ بِالشُّبْهَةِ رَجَعَ إِلَى الدِّيَةِ الَّتِي لَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ، فَلْيَسْقُطْ بِرُجُوعِ الشُّهُودِ، الْقِصَاصُ، وَلَا تَسْقُطِ الدِّيَةُ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِمَّا إِذَا سَقَطَ بِالشُّبْهَةِ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى بَدَلٍ، كَحَدِّ الْقَذْفِ، فَفِي سُقُوطِهِ بِرُجُوعِ شُهُودِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: تَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ، لِأَنَّها شُبْهَةٌ تُدْرَأُ بِمِثْلِهَا الْحُدُودُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ لِأَنَّه مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الْمُغَلَّظَةِ.
( [الْقَوْلُ فِي رُجُوعِ الشُّهُودِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ] )
(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا الْحَالُ الثَّالِثَةُ: وَهُوَ أَنْ يَرْجِعَ الشُّهُودُ بَعْدَ نُفُوذِ الْحُكْمِ وَاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ، فَالْحُكْمُ عَلَى نَفَاذِهِ لَا يُنْقَضُ بِرُجُوعِ شُهُودِهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ إِنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ بِرُجُوعِهِمْ، لِأَنَّهمْ بِالرُّجُوعِ غَيْرُ شُهُودٍ.
وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ الرُّجُوعَ مُخَالِفٌ لِلشَّهَادَةِ فَلَا يَخْلُو أَحَدُهُمَا مِنَ الْكَذِبِ، فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ من الشهادة وبالرجوع مُحْتَمِلًا لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَقَدِ اقْتَرَنَ بِالشَّهَادَةِ حُكْمٌ وَاسْتِيفَاءٌ فَلَمْ يَجُزْ نَقْضُهَا بِرُجُوعٍ مُحْتَمَلٍ.
وَالثَّانِي: إِنَّ الشَّهَادَةَ إِلْزَامٌ وَالرُّجُوعُ إِقْرَارٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ وَارِدٌ بِغَيْرِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ