فَيُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ فَلَوْ كَانَ هَذَا الْوَلِيُّ هُوَ الحاكم لم يجز له أن يتزوجها بِوِلَايَةِ النَّسَبِ وَعَدَلَ إِلَى الْإِمَامِ أَوْ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْحُكَّامِ حَتَّى يُزَوِّجَهُ بِهَا، فَلَوْ كَانَ هَذَا الْوَلِيُّ هُوَ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ أَنْ يتزوجها بنفسه لعموم ولايته وأن الْحُكَّامَ كُلَّهُمْ مِنْ قَبْلِهِ كَمَا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَفِيَّةَ بِنَفْسِهِ لِهَذَا الْمَعْنَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يتزوجها من حكام الوقت لولايتهم، وإن كانت منه فهم بخلاف وكلائه، ولأنه نَائِبٌ عَنْ كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي تَقْلِيدِ الْحُكَّامِ وَنَائِبٌ عَنْ نَفْسِهِ فِي تَقْلِيدِ الْوُكَلَاءِ، أَلَا تراه لو مات بطلت ولاية وكلائه ولن تَبْطُلَ وِلَايَةُ حُكَّامِهِ، وَلِذَلِكَ تَحَاكَمَ عُمَرُ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَحَاكَمَ عَلِيٌّ يَهُودِيًّا إِلَى شُرَيْحٍ.
فَصْلٌ
وَلَوْ أَرَادَ الْوَلِيُّ أَنْ يُزَوِّجَ وَلِيَّتَهُ بِابْنِهِ كَوَلِيٍّ هُوَ عَمٌّ فَأَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ أَخِيهِ بِابْنِهِ فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ لَا يُزَوِّجُهَا غَيْرُ أَبِيهَا أَوْ جَدِّهَا، وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَابْنُهُ صَغِيرٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يزوجها بِهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَاذِلًا لِلنِّكَاحِ عَنْهَا وَقَابِلًا لَهُ عَنِ ابْنِهِ فَاجْتَمَعَ الْبَذْلُ وَالْقَبُولُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يتزوجها لنفسه لحصول البذل والقبول منه مِنْ جِهَتِهِ وَإِنْ كَانَ ابْنُهُ كَبِيرًا فَفِي جَوَازِ تَزْوِيجِهِ بِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ بَاذِلًا فَالْقَابِلُ غَيْرُهُ وَهُوَ الِابْنُ فَلَمْ يَجْتَمِعِ الْبَذْلُ وَالْقَبُولُ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ.
والوجه الثاني: لا يجوز أن يزوجه بها؛ لِأَنَّهُ يَمِيلُ بِالطَّبْعِ إِلَى طَلَبِ الْحَظِّ لِابْنِهِ دونها كما لم يجز أن يتزوجها بنفسه لِهَذَا الْمَعْنَى.
فَأَمَّا الْجَدُّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ ابْنِهِ بِابْنِ ابْنٍ لَهُ آخَرَ فَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ جَازَ لِاعْتِدَالِ السَّبَبَيْنِ فِي ميله إليهما وطلب الحظ لهما وإن كان صَغِيرَيْنِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ مَضَيَا:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ لِهَذَا المعنى.
والثاني: لا يجوز لاجتماع البذل والقبول من جهته.
[مسألة]
قال الشافعي: " ويزوج الْأَبُ أَوِ الْجَدُّ الِابْنَةَ الَّتِي يُؤْيَسُ مِنْ عَقْلِهَا لِأَنَّ لَهَا فِيهِ عَفَافًا وَغِنًى وَرُبَّمَا كَانَ شِفَاءً وسواءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ مَضَتْ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ التَّقْسِيمِ فَإِذَا كَانَتْ مَجْنُونَةً لَمْ يَخْلُ حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ.
إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا زَوَّجَهَا أَبُوهَا أَوْ جَدُّهَا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً لِأَنَّ لِلْأَبِ إِجْبَارَ الْبِكْرِ فِي حَالِ الْعَقْلِ، فَكَانَ أَوْلَى أَنْ يُجْبِرَهَا فِي حَالِ الْجُنُونِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَمْ يَكُنْ لأحد أوليائها ولا الحاكم أَنْ يُزَوِّجَهَا حَتَّى تَبْلُغَ، فَإِذَا بَلَغَتْ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ دُونَ عَصَبَتِهَا الْمُنَاسِبِينَ لِاخْتِصَاصِهِ بِفَضْلِ النَّظَرِ في الولاية