للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ عَادَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَثَبَتَ بِهَا إِلَى أَنْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ، وَإِنْ عَادَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الدَّمُ لِأَنَّ الدَّمَ إذا وجب لسبب لم يَسْقُطُ وُجُوبُهُ بِزَوَالِ ذَلِكَ السَّبَبِ كَاللَّابِسِ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ بِلِبَاسِهِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِنَزْعِهِ، وَالْمُتَطَيِّبِ لَزِمَهُ الدَّمُ بِاسْتِعْمَالِهِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِغَسْلِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ بِهَا لَيْلًا دُونَ النَّهَارِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ دَمٌ، فَوَجَبَ إِذَا وَقَفَ بِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا أَوْلَى أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الدَّمَ إِنَّمَا لَزِمَهُ بِفَوَاتِ الْعَوْدِ لَا بِالدَّفْعِ قَبْلَ الْغُرُوبِ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا صِفَةُ سَيْرِهِ، إِلَى مُزْدَلِفَةَ فَهُوَ الْمَشْيُ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ مِنْ غَيْرِ عَجَلَةٍ وَلَا سَعْيٍ فَقَدْ رَوَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا دَفَعَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ سَمِعَ وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا مِنَ الْأَعْرَابِ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: " السَّكِينَةَ فَإِنَّ الِبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ " وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَشَيَّةَ عَرَفَةَ عَنْ دَفْعِ وَجِيفِ الْخَيْلِ وَإِيضَاعِ الْإِبِلِ قَالَ وَلَكِنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَسِيرُوا سَيْرًا جَمِيلًا وَلَا تُوْطِؤُوا ضَعِيفًا وَلَا تُوْطِؤُوا مُسْلِمًا وَاقْتَصِرُوا فِي السَّيْرِ وَكَانَ يَكُفُّ عَنْ نَاقَتِهِ حَتَّى يَبْلُغَ رَأْسُهَا مُقَدَّمَ الرَّحْلِ، وَهُوَ يَقُولُ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بَالدِّعَةِ " وَرَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَفَاضَ وَعَلَيْهِ السِّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَكَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ حَتَّى إِذَا وَجَدَ فُرْجَةً نَصَّ الْعَنَقُ سَيْرُ الْجَمَاعَةِ وَالرِّفَاقِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالنَّصُّ هُوَ التَّحْرِيكُ حَتَّى يَسْتَخْرِجَ مِنَ الدَّابَّةِ أَقْصَى سَيْرِهَا وَيُخْتَارُ أَنْ يَسْلُكَ طَرِيقَ الْمَأْزِمَيْنِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَلَكَ فِي ذَهَابِهِ إِلَى عَرَفَاتٍ طَرِيقَ ضَبٍّ وَرَجَعَ مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَى مُزْدَلِفَةَ فِي طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ، وَأَيَّ طَرِيقٍ سَلَكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَلَيْسَ فِي الْمَسْلَكِ نُسُكٌ، وَلَكِنَّنَا نَخْتَارُ التَّأَسِّيَ برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والله أعلم.

مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِذَا أَتَى الْمَزْدَلِفَةَ جَمَعَ مَعَ الْإِمَامِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِإِقَامَتَيْنِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلاهما بها ولم يناد في واحدةٍ منهما إلا بإقامة ولا يسبح بينهما ولا على إثر واحدةٍ مِنْهُمَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ بِهَا وَحُدُودُ مُزْدَلِفَةَ مِنْ حيث يقضي من مأزمين عرفة وليس المأزمين مِنْهَا إِلَى أَنْ يَأْتِيَ إِلَى قُرْبِ مُحَسِّرٍ وَلَيْسَ الْقَرْنُ مِنْهَا، وَهَكَذَا يَمِينًا وَشِمَالًا مِنْ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ وَالْقَوَابِلِ وَالظَّوَاهِرِ وَالشِّعَابِ وَالسِّحَاءِ وَالْوَادِي كُلِّهِ وَفِي تَسْمِيَتِهَا مُزْدَلِفَةَ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُمْ يَقْرَبُونَ فِيهَا مِنْ مِنًى وَالِازْدِلَافُ التَّقْرِيبُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَأُزْلِفَتْ الجَنَّةُ لِلْمُتَّقين) {الشعراء: ٩٠) أَيْ قَرُبَتْ.

وَالثَّانِي: إِنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ بِهَا، وَالِاجْتِمَاعُ الِازْدِلَافُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ) {الشعراء: ٦٤) أَيْ جَمَعْنَاهُمْ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِمُزْدَلِفَةَ جَمْعٌ فَإِذَا نَزَلَ بِمُزْدَلِفَةَ جَمَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>