٥ - فحد، ثم زنا ثَانِيَةً يُحَدُّ حَدًّا ثَانِيًا، فَهَذَا حُكْمُ الْقَذْفِ الثَّانِي إِذَا كَانَ بَعْدَ حَدِّ الْقَذْفِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَذْفِ الْأَوَّلِ، فَهُوَ أَيْضًا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ الثَّانِي بِالزِّنَا الْأَوَّلِ، فَلَا يَلْزَمُهُ فِي الْقَذْفَيْنِ إِلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ لِأَنَّهُمَا بِزِنَاءٍ وَاحِدٍ؛ كَمَا لَوْ كَرَّرَ لَفْظَ الْقَذْفِ لِوَقْتِهِ فَقَالَ: زَنَيْتِ، زَنَيْتِ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ الثَّانِي بِزِنَاءٍ ثَانٍ غَيْرِ الزِّنَا الْأَوَّلِ كَأَنَّهُ قَالَ فِي القذف الأول زنا بِكِ زَيْدٌ، ثُمَّ قَالَ فِي الْقَذْفِ الثَّانِي: زنا بِكِ عَمْرٌو فَفِيهِمَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ، أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِمَا إِلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ وَيَدْخُلُ أَحَدُ الْقَذْفَيْنِ فِي الْآخَرِ لِأَنَّ فِعْلَ الزِّنَا أَغْلَظُ مِنَ الْقَذْفِ بِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ زَنَى فَلَمْ يُحَدَّ حَتَّى زَنَى حُدَّ لَهُمَا حَدًّا وَاحِدًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ مُخْرَّجٌ مِنْ دَلِيلِ كَلَامِهِ فِي الْقَدِيمِ لِأَنَّهُ قَالَ: عَلَيْهِ لَهُمَا حَدٌّ وَاحِدٌ، وَلَوْ قِيلَ عَلَيْهِ حَدَّانِ كَانَ مَذْهَبًا فَخَرَّجَهُ أَصْحَابُنَا قَوْلًا ثَانِيًا في القديم ثم إن لهذين القذفين حدان، بِخِلَافِ الزِّنَائَيْنِ، لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَى مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَحْضَةِ، فَجَازَ أَنْ يَتَدَاخَلَ وَحَدَّ الْقَذْفِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يتداخل.
[(مسألة)]
فَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ: فَصُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِي رَجُلٍ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا ثَانِيَةً بَعْدَ التَّزْوِيجِ، وَفِي الْمُقَدِّمَةِ كَانَ الْقَذْفَانِ مِنْ غَيْرِ تَزْوِيجٍ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْقَذْفِ الْأَوَّلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ حُدَّ لَهُ قَبْلَ الْقَذْفِ الثَّانِي، أَوْ لَمْ يُحَدَّ، فَإِنْ كَانَ قَدْ حُدَّ لَهُ، وَقَدْ قَذَفَهَا ثَانِيَةً فِي التَّزْوِيجِ بَعْدَ أَنْ حُدَّ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ التَّزْوِيجِ، فَالْقَذْفُ الثَّانِي عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بِالزِّنَى الْأَوَّلِ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي الْقَذْفِ الثَّانِي، لِأَنَّهُ حُدَّ لَهُ فِي الْأَوَّلِ لَكِنْ يُعَزَّرُ لِلْأَذَى وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْتَعِنَ بِالْقَذْفِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ بِزِنَاءٍ قَبْلَ نِكَاحِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ بِزِنَاءٍ ثَانٍ بَعْدِ الزَّوْجِيَّةِ فَعَلَيْهِ حَدٌّ ثَانٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَلْتَعِنَ مِنْهُ لِأَنَّ الْقَذْفَ الْأَوَّلَ تَقَضَّى حُكْمُهُ قَبْلَ الزَّوْجِيَّةِ، وَقَدْ قَذَفَ مُبْتَدِأً بَعْدَ الزَّوْجِيَّةِ فَانْفَرَدَ بِحُكْمِهِ فَإِنْ كَانَ الْقَذْفُ الثَّانِي قَبْلَ حَدِّهِ مِنَ الْقَذْفِ الْأَوَّلِ، فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بِالزِّنَا الأول، فليس عليه فيها إلا حداً واحداً، لِأَنَّهُ قَذْفٌ بِزِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَنْ زِنًا قَبْلَ الزَّوْجِيَّةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَدٌ، فَفِي جَوَازِ لِعَانِهِ وَجْهَانِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ: