أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَلْتَعِنَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَسْتَأْنِفَ قَذْفًا مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْقَذْفِ الْأَوَّلِ فِي حُكْمِ الْأَجَانِبِ بِمَنْعِهِ مِنَ الِالْتِعَانِ فِيهِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَلْتَعِنَ مِنْهُ سَوَاءٌ وَضَعَتِ الْوَلَدَ أَوْ لَمْ تَضَعْ، فَعَلَى هَذَا إِنْ لَمْ يُحَدِّدْ قَذْفًا مُطْلَقًا، حُدَّ لِلْقَذْفِ، الْأَوَّلِ وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ وَإِنْ جَدَّدَ قَذْفًا مُطْلَقًا، حُدَّ لِلْقَذْفِ الْأَوَّلِ وَلَاعَنَ بِالْقَذْفِ الثَّانِي لِنَفْيِ الْوَلَدِ وَلَمْ يَسْقُطْ حَدُّ الْقَذْفِ الْأَوَّلِ بِاللِّعَانِ فِي الْقَذْفِ الثَّانِي لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْحُكْمِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أبي هريرة يَجُوزُ أَنْ يَلْتَعِنَ مِنْهُ إِذَا وَلَدَتْ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَلْتَعِنَ لَوْ لَمْ تَلِدْ لَأَنَّ الضَّرُورَةَ تَدْعُوهُ إِلَى الِالْتِعَانِ مَعَ الْوِلَادَةِ وَلَا تَدْعُوهُ مِعِ عَدَمِهَا؛ وَلِأَنْ يَصْدُقَ فِي إِضَافَةِ الْقَذْفِ إِلَى مَا قَبْلَ نِكَاحِهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَسْتَأْنِفَ قَذْفًا مُطْلَقًا يَتَجَوَّزُ فِي إِرْسَالِهِ فَعَلَى هَذَا إِذَا الْتَعَنَ مُقْتَصِرًا عَلَى الْقَذْفِ الْأَوَّلِ أَجْزَاهُ وَانْتَفَى بِهِ الْوَلَدُ، وَسَقَطَ بِهِ الحد، ولو جد بَعْدَ الْقَذْفِ الْأَوَّلِ قَذْفًا ثَانِيًا نُظِرَ فِيهِ، فَإِنْ أَضَافَهُ إِلَى زَمَانِ نِكَاحِهِ فَهُوَ غَيْرُ الزِّنَا الْأَوَّلِ فَعَلَى هَذَا يُلَاعِنُ مِنَ الْقَذْفِ الثَّانِي وَيَنْفِي بِهِ الْوَلَدَ وَلَا يَسْقُطُ بِهِ حَدُّ الْقَذْفِ الْأَوَّلِ لِتَمَيُّزِهِ عَنْ نَفْيِ الْوَلَدِ فَصَارَ كَوُجُوبِهِ مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا وَلَاعَنَهَا وَطَلَبَتْهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ قَبْلَ النِّكَاحِ حُدَّ لَهَا وَلَوْ لَمْ يَلْتَعِنْ حَتَّى حَدَّهُ الْإِمَامُ بِالْقَذْفِ الْأَوَّلِ ثَمَّ طَلَبَتْهُ بِالْقَذْفِ بَعْدَ النِّكَاحِ لَاعَنَ لِأَنَّ حُكْمَهُ قَاذِفًا غَيْرَ زَوْجَتِهِ وَحُكْمَهُ قَاذِفًا زَوْجَتَهُ الْحَدُّ أَوِ اللِّعَانُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ قَسَّمَ الشَّافِعِيُّ أَحْوَالَهَا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ وَلَهَا مُقَدِّمَةٌ يَجِبُ أَنْ يَبْدَأَ بِهَا لِيَكُونَ جَوَابُ هَذِهِ الْأَقْسَامِ مَحْمُولًا عَلَيْهَا، وَمُقَدِّمَتُهَا مُصَوَّرَةٌ فِي رَجُلٍ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ قَذَفَهَا ثَانِيَةً وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْقَذْفِ الثَّانِي مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ حَدِّ الْقَذْفِ الْأَوَّلِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ الْقَذْفُ الثَّانِي بَعْدَ أَنْ حُدَّ مِنَ الْقَذْفِ الْأَوَّلِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْذِفَهَا ثَانِيَةً بِالزِّنَا الْأَوَّلِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْقَذْفِ الثَّانِي حَدٌّ؛ لِأَنَّهُمَا قَذْفٌ بِزِنًا وَاحِدٍ، وَقَدْ حُدَّ فِيهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَادَ الْحَدُّ فِيهِ؛ لأن لا يَجْتَمِعَ فِي الْقَذْفِ بِالزِّنَا الْوَاحِدِ حَدَّانِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي فِعْلِ الزِّنَا الْوَاحِدِ حَدَّانِ، وَلَكِنْ يُعَزَّرُ فِي إِعَادَةِ الْقَذْفِ الثَّانِي لِأَجْلِ الْأَذَى.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَقْذِفَهَا ثَانِيَةً بِزِنًا ثَانٍ غَيْرِ الزِّنَا الْأَوَّلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ حَدٌّ ثَانٍ بَعْدِ الْحَدِّ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ قَذْفٌ بِزِنَائَيْنِ، فَإِذَا حُدَّ لِأَحَدِهِمَا وَجَبَ أَنْ يحد للآخر كما لو زنا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute