الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ التَّمِيمِيَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ وَرَدْتُ الْمِلْحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا مِلْحٍ، وَمَنْ وَرَدَهُ أَخَذَهُ، وَهُوَ مِثْلُ الْمَاءِ الْعِدِّ بِأَرْضٍ، فَاسْتَقَالَ الْأَبْيَض مِنْ قَطِيعَتِهِ الْمِلْحِ، فَقَالَ الْأَبْيَضُ قَدْ أَقَلْتُكَ مِنْهُ عَلَى أَنْ تَجْعَلَهُ مِنِّي صَدَقَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: هُوَ مِنْكَ صَدَقَةٌ وَهُوَ مِثْلُ الْمَاءِ الْعِدِّ من ورده أخذه وروت نهيسة عَنْ أَبِيهَا أَنَّهُ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ الْمَاءُ، قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ الْمِلْحُ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ قَالَ: أَنْ تَفْعَلَ الْخَيْرَ خَيْرًا لَكَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمَانِعُ بِأَحَقَّ مِنَ الْمَمْنُوعِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَا فِيهِ سَوَاءً، وَإِذَا اسْتَوَى النَّاسُ فِي الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ فَإِنْ أَمْكَنَ اشْتِرَاكُ له النَّاسِ فِيهِ عِنْدَ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ وَإِلَّا تقدم الْأَسْبَقُ فَالْأَسْبَقُ فَإِنْ تَسَاوَى مَجِيئُهُمْ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَمَنْ قُرِعَ مِنْهُمْ تَقَدَّمَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَدِّمُ السُّلْطَانُ بِاجْتِهَادِهِ مَنْ رَأَى فَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ عَلَى الْمَعْدِنِ زَمَانًا يَتَفَرَّدُ بِهِ وَبِمَا فِيهِ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ مَعَ تَفَرُّدِهِ بِهِ يُمْنَعُ مِنْهُ فَمِنْهُ تَعَدَّى وَعَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَرْفَعَ يَدَهُ عَنْهُ وَقَدْ مَلَكَ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ غَيْرُهُ مِنْهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقِرَّ مَا لَمْ يَكُنْ فِي إِقْرَارِهِ إِدْخَالُ ضَرَرٍ عَلَى غَيْرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُمْنَعُ لَيْلًا بِطُولِ مُكْثِهِ ويدوم تَصَرُّفه فَيَنْتَقِلُ عَنْ حُكْمِ الْمُبَاحِ إِلَى أَحْكَامِ الْأَمْلَاكِ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ مِنِ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا هَلْ لِلسُّلْطَانِ اسْتِحْقَاقُ نَظَرٍ فِيهَا أَمْ لَا؟ فَلَهُمْ فِيهَا وَجْهَانِ.
مَسْأَلَةٌ
قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ كَانَتْ بُقْعَةً مِنَ السَّاحِلِ يَرَى أَنَّهُ إِنْ حَفَرَ تُرَابًا مِنْ أَعْلَاهَا ثُمَّ دَخَّلَ عَلَيْهَا مَاءً ظَهَرَ لَهَا مِلْحٌ كَانَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُقْطِعَهَا وَلِلْرَجُلِ أَنْ يُعْمِرَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيَمْلِكَهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْحَالِ مَعْدِنًا وَإِنَّمَا هِيَ مَوَاتٌ تَصِيرُ بِالْإِحْيَاءِ مَعْدِنًا فَجَازَ إِقْطَاعُهَا كَمَا يَجُوزُ إِقْطَاعُ الْمَوَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute