للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وإذا سافر الرجل بالمرأة سفراً يكون سنة وَأَرْبَعِينَ مِيلًا بِالْهَاشِمِيِّ كَانَ لَهُمَا أَنْ يُفْطِرَا في شهر رمضان ويأتي أهله فإن صاما في سفرهما أجزأهما ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ كُلُّ مَسَافَةٍ جَازَ أَنْ تُقْصَرَ فِيهَا الصَّلَاةُ جَازَ أَنْ يُفْطَرَ فِيهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، لِأَنَّ الْفِطْرَ رُخْصَةٌ كَالْقَصْرِ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الْمَسَافَةِ فَعِنْدَنَا أَنَّهَا مَسَافَةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِسَيْرِ النَّقْلِ، وَدَبِيبِ الْأَقْدَامِ وَقَدْرُ ذَلِكَ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا بِالْهَاشِمِيِّ، أَوْ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا بِالْمَرْوَانِيِّ، وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا وَهُوَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ وَحَكَيْنَا خِلَافَ أبي حنيفة فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَدَلَّلْنَا عَلَيْهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تُفْطِرُوا يَا أَهْلَ مَكَّةَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بردٍ " وَذَلِكَ مِنْ مَكَّةَ إلى عسفان وإلى الطايف، فإذا سافر قدر المسافة المذكورة جاز لهما الْفِطْرُ إِنْ شَاءَ بِالْأَكْلِ أَوْ بِالْجِمَاعِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْفِطْرَ الْمُبَاحَ يَسْتَوِي فِيهِ حَالُ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ وَالْفِطْرُ فِي السَّفَرِ مُبَاحٌ وَحُكِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَبِهِ قَالَ قَوْمٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ وَاجِبٌ تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرٍ) {البقرة: ١٨٥) فَأَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ عَلَى الْأَحْوَالِ كُلِّهَا وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السفر " وبقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الصَّائِمُ فِي السَفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ " وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْفِطْرَ رُخْصَةٌ وَإِبَاحَةٌ رِوَايَةُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِحَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ " إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ " وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ كُلُّ ذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَتَمَّ وَقَضَى وَصَامَ وَأَفْطَرَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيٍّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُمَا قَالَا: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ لَا يَعِيبُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ " فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَرٍ) {البقرة: ١٨٤) ففي الآية الإضمار وَهُوَ الْفِطْرُ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ وَأَمَّا قَوْلُهُ: " لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>