للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ

: إِذَا قَطَعَ الْمُحْرِمُ عُضْوًا مِنْ بَدَنِهِ وَعَلَيْهِ شَعْرٌ، أَوْ كَشَطَ جِلْدَةً مِنْ بَدَنِهِ وَعَلَيْهَا شَعْرٌ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ فِدْيَةَ الشَّعْرِ وَجَبَتْ؛ لِأَجْلِ التَّرْفِيهِ بِهِ وَهَذَا غَيْرُ مُتَرَفَّهٍ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَضَرٌّ بِهِ، وَلِأَنَّ الشَّعْرَ تَابِعٌ، وَالْعُضْوَ مَتْبُوعٌ، فَلَمَّا لَمْ تَجِبِ الْفِدْيَةُ فِي الْمَتْبُوعِ فَأَوْلَى أَنْ لَا تَجِبَ فِي التَّابِعِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا وَجَبَتِ الْفِدْيَةُ فِي أَخْذِ الشَّعْرِ مُنْفَرِدًا، فَأَوْلَى أَنْ تَجِبَ فِي أَخْذِهِ مَعَ غَيْرِهِ.

قِيلَ: لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الِانْفِرَادِ فِي الشَّيْءِ، مُخَالِفٌ لِحُكْمِ تَبَعِهِ لِغَيْرِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ امْرَأَةً لَوْ حَرَّمَتْ زَوْجَةَ رَجُلٍ بِرَضَاعٍ، لَزِمَهَا الْمَهْرُ، وَلَوْ قَتَلَتْهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الْمَهْرُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْقَتْلِ تَحْرِيمٌ وَإِتْلَافٌ.

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَكَذَلِكَ الْأَظْفَارُ، وَالْعَمْدُ فِيهَا وَالْخَطَأُ سَوَاءٌ ".

قَالَ الماوردي: أما الأظفار فحكمها حكم الشعر، يمنع الْمُحْرِمُ مِنْهَا، وَيَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ لِتَقْلِيمِهَا؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْمُحْرِمُ أَشَعْثُ أَغَبَرُ " وَتَقْلِيمُهَا مَا يُزِيلُ الشَّعَثَ، ويحدث الترفيه، ولأنه نام يتخلف يَتَرَفَّهُ الْمُحْرِمُ بِإِزَالَتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ تَلْزَمَهُ الْفِدْيَةُ فِيهِ كَالشَّعْرِ، فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ فِيهِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الشَّعْرِ، وَإِنْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ، فَعَلَيْهِ دَمٌ كَمَا لَوْ حَلَقَ جَمِيعَ شَعْرِهِ، وَلَوْ قَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَظَافِرَ فَصَاعِدًا فِي مَقَامٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ مِنْ عُضْوٍ وَاحِدٍ أَوْ عُضْوَيْنِ.

وَقَالَ أبو حنيفة: لا يلزمه الْفِدْيَةُ الْكَامِلَةُ، وَهِيَ الدَّمُ، إِلَّا لِتَقْلِيمِ خَمْسَةِ أَظَافِرَ مِنْ عُضْوٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ قَلَّمَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظَافِرَ مِنْ عُضْوٍ وَاحِدٍ، أَوْ قَلَّمَ خَمْسَةَ أَظَافِرَ مِنْ عُضْوَيْنِ، لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، فَمَا دُونَ الدَّمِ، هَلْ يَلْزَمُهُ أَمْ لَا؟ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ قَالَ: لِأَنَّ الْفِدْيَةَ الْكَامِلَةَ لَا تَلْزَمُهُ، إِلَّا بِتَرْفِيهٍ كَامِلٍ. وَكَمَالُ التَّرْفِيهِ بِتَقْلِيمِ خَمْسَةِ أَظْفَارٍ.

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَعْتَبِرَ كَمَالَ التَّرْفِيهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِتَقْلِيمِ جَمِيعِ الْأَظَافِرِ، وَهُوَ لَا يَعْتَبِرُهُ، أَوْ ما يقع عليه اسم جميع مطلق وهو مقولنا ثُمَّ نَقُولُ: لِأَنَّهُ قَلَّمَ مِنْ أَظَافِرِهِ مَا يَقَعُ عَلَى اسْمِ الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ، فَوَجَبَ أَنْ تَلْزَمَهُ الْفِدْيَةُ الْكَامِلَةُ، كَالْخَمْسَةِ مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ قَلَّمَ ظُفْرًا وَاحِدًا، كَانَ كَمَا لَوْ حَلَقَ شَعْرَةً، فَيَكُونُ فِيمَا يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهَا: ثُلُثُ دَمٍ.

وَالثَّانِي: دِرْهَمٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>