للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضَرْبِهَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: اضْرِبُوهَا عَلَى الْعِثَارِ وَلَا تَضْرِبُوهَا عَلَى النِّفَارِ يَعْنِي أَنَّهَا فِي الْعِثَارِ سَاهِيَةٌ فَالضَّرْبُ يُوقِظُهَا وَفِي النِّفَارِ تَزْدَادُ بِالضَّرْبِ نُفُورًا فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ.

وَرَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَافَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَطَلَعَ بَعِيرِي فَاشْتَرَاهُ مِنِّي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَحَمَلَنِي عَلَيْهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَكَانَ يَسُوقُهُ وَأَنَا رَاكِبُهُ وَإِنَّهُ لَيَضْرِبُهُ بِالْعَصَا وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ إِذَا كَانَ مَعْهُودًا فَإِذَا لَمْ يُتَوَصَّلْ إِلَى اسْتِيفَاءِ الْمَسِيرِ إِلَّا بِالضَّرْبِ فَذَلِكَ مُبَاحٌ. فَعَلَى هَذَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا إِذَا لَمْ يَتَعَدَّ. لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَجِيرٍ وإنما هو مستأجر.

[مسألة]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فَأَمَّا الرُّوَّاضُ فَإِنَّ شَأْنَهُمُ اسْتِصْلَاحُ الدَّوَابِّ وَحَمْلُهَا على السير والحمل عليها بالضرب على أكثر مما يَفْعَلُ الرَّاكِبُ غِيرَهُمْ فَإِنْ فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَرَاهُ الرُّوَّاضُ صَلَاحًا بِلَا إعناتٍ بينٍ لَمْ يَضْمَنْ فَإِنْ فَعَلَ خِلَافَ ذَلِكَ فَهُوَ متعدٍ وَضَمِنَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ مَا يَسْتَبِيحُهُ الرَّائِضُ مِنْ ضَرْبِ الدَّابَّةِ فَهُوَ أَكْثَرُ مِمَّا يَسْتَبِيحُهُ الرَّاكِبُ لِأَنَّ الرَّائِضَ يَحْتَاجُ إِلَى زِيَادَةِ ضَرْبٍ فِي تَذْلِيلِ الدَّابَّةِ وَاسْتِصْلَاحِهَا لَا يَحْتَاجُ الرَّاكِبُ إِلَيْهِ لِأَنَّ الدَّابَّةَ عِنْدَ التَّذْلِيلِ أَنْفَرُ مِنْهَا عِنْدَ الْمَسِيرِ.

فَلَوْ تَجَاوَزَ الرَّاكِبُ ضَرْبَ الرُّكَّابِ إِلَى ضَرْبِ الرَّائِضِ ضَمِنَ لِتَعَدِّيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الرَّائِضُ فِيهِ مُتَعَدِّيًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنْ تَجَاوَزَ الرَّائِضُ عَادَةَ الرُّوَّاضِ صَارَ مُتَعَدِّيًا وَلَزِمَهُ الضَّمَانُ وَإِنْ لَمْ يَتَجَاوَزْ عَادَةَ الرُّوَّاضِ صَارَ غَيْرَ متعدٍ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الضمان. فإذا رَاضَهَا فِي يَدِ صَاحِبِهَا لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ رَاضَهَا فِي غَيْرِ يَدِهِ وَلَا مَعَهُ ضَمِنَ فَإِنْ رَاضَهَا مَعَ غَيْرِهِ فَفِي ضَمَانِهِ قَوْلَانِ وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا بِهَا فَعَلَى اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فَصَارَ الرَّاكِبُ بِخِلَافِ الرَّائِضِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: قَدْرُ الضَّرْبِ الَّذِي يَسْتَبِيحُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

وَالثَّانِي: الضَّمَانُ لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُسْتَأْجِرٌ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ إِلَّا بِالْعُدْوَانِ وَالرَّائِضَ أَجِيرٌ وَفِي ضَمَانِهِ إِذَا كَانَ مُشْتَرِكًا قَوْلَانِ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) .

مَسْأَلَةٌ

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَالرَّاعِي إِذَا فَعَلَ مَا لِلرُّعَاةِ فَعْلُهُ مِمَّا فِيهِ صلاحٌ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ ضَمِنَ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا يُفْضِي لِأَحَدِ قَوْلَيْهِ بِطَرْحِ الضَّمَانِ كَمَا وَصَفْتُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ الرَّاعِي فِي انْفِرَادِهِ وَاشْتِرَاكِهِ وَأَنَّهُ كَغَيْرِهِ مِنَ الْأُجَرَاءِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِالتَّعَدِّي وَسُقُوطِهِ عَنْهُ بِالِانْفِرَادِ وَاخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الِاشْتِرَاكِ وَلَيْسَ تَفْرِيعُ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إِبْطَالًا لِلْقَوْلِ الْآخَرِ فَيَصِحُّ احْتِجَاجُ الْمُزَنِيِّ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>