للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنها إن لم تتميز، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَ، مَا لَمْ يُخْلَقْ، وَلَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ لِلْيَتِيمِ مِلْكٌ. وَإِنْ خُلِقَتْ نَاقِصَةً: فَالنُّقْصَانُ أَيْضًا مِمَّا لَمْ يُخْلَقْ.

وَالنَّوْعُ الثَّانِي: مَا كَانَ نَمَاؤُهُ بِالْعَمَلِ.

وَذَلِكَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: تِجَارَةٌ بِمَالٍ. وَالثَّانِي: اسْتِغْلَالُ الْعَقَارِ.

فَأَمَّا التِّجَارَةُ بِالْمَالِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا، أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ، يُؤْخَذُ الولي بها في التجارة:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَالُهُ نَاضًّا. فَإِنْ كَانَ عَقَارًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لِلتِّجَارَةِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الزَّمَانُ آمِنًا، فَإِنْ كَانَ مَخُوفًا، لَمْ يَجُزْ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ السُّلْطَانُ عَادِلًا، فَإِنْ كَانَ جَائِرًا، لَمْ يَجُزْ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ الْمَتَاجِرُ مُرْبِحَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُخْسِرَةً: لَمْ يَجُزْ.

فإن استكمل هَذِهِ الشُّرُوطَ: كَانَ مَنْدُوبًا إِلَى التِّجَارَةِ لَهُ بِالْمَالِ، فَلَوْ لَمْ يَتَّجِرْ بِهَا: لَمْ يَضْمَنْ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ لَهُ مِلْكٌ عَلَى رِبْحٍ مَعْلُومٍ فَيَصِحَّ ضَمَانُهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ رِبْحَ التِّجَارَةِ بِالْعَقْدِ وَالْمَالِ، تَبَعٌ، وَلِذَلِكَ جَعَلْنَا رِبْحَ الْغَاصِبِ فِي الْمَالِ الْمَغْصُوبِ لَهُ، دُونَ المغصوب منه.

فإن اتجر الولي بِالْمَالِ مَعَ إِخْلَالِهِ بِبَعْضِ هَذِهِ الشُّرُوطِ: كَانَ ضَامِنًا لِمَا تَلِفَ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ.

وَأَمَّا اسْتِغْلَالُ الْعَقَارِ:

فَإِنَّمَا يَكُونُ بِإِجَارَتِهِ، فَإِنْ تَرَكَهُ عَاطِلًا لَمْ يُؤَجِّرْهُ، فَقَدْ أَثِمَ، وَفِي ضَمَانِهِ لِأُجْرَةِ مِثْلِهِ إِذَا كَانَ غَيْرَ مَعْذُورٍ فِي تَعْطِيلِهِ، وَجْهَانِ، لِأَنَّ مَنَافِعَهُ تُمْلَكُ كَالْأَعْيَانِ.

فَصْلٌ:

وَأَمَّا النَّفَقَةُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ.

فَلِأَنَّ فِي الزِّيَادَةِ سَرَفًا، وَفِي التَّقْصِيرِ ضَرَرًا، فَلَزِمَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ قَصْدًا بِالْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ، وَلَا تَقْصِيرٍ، وَكَذَلِكَ يُنْفِقُ عَلَى كُلِّ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ مِنْ وَالِدَيْنِ، وَمَمْلُوكِينَ، ثُمَّ يكسوه وإياهم في فصل الصَّيْفِ، وَالشِّتَاءِ، كِسْوَةَ مِثْلِهِمْ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يُعْتَبَرُ بِكِسْوَةِ أَبِيهِ، فيكسوه مثلها.

وهذا غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ أَبَاهُ قَدْ رُبَّمَا كَانَ مُسْرِفًا، أَوْ مُقَصِّرًا، فَكَانَ اعْتِبَارُ ذَلِكَ فِي الْكِسْوَةِ فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ عَادَةً وَعُرْفًا، أَوْلَى من اعتباره عَادَة أَبِيهِ.

وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ عَادَةُ أَبِيهِ فِي صفة الملبوس إن كان تاجرا، كسى كسوة التجار، وإن كان جنديا، كسى كِسْوَةَ الْأَجْنَادِ، وَلَا يَعْدِلُ بِهِ عَنْ عَادَةِ أَبِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ، وَيَلِيَ أَمْرَ نَفْسِهِ فَيُغَيِّرُهَا إِنْ شَاءَ.

فَإِنْ أَسْرَفَ الْوَلِيُّ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ: ضَمِنَ زِيَادَةَ السَّرَفِ وَإِنْ قَصَّرَ بِهِ عَنِ الْعَقْدِ: أَسَاءَ وَلَمْ يَضْمَنْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>