بَقِيَ، وَيُمْكِنُهُ اعْتِكَافُ مَا بَقِيَ مِنْهُ، فَإِنْ صَحَّ أَنَّ نَذْرَهُ قَدِ انْعَقَدَ فَمَا لَمْ يَقْدُمْ فَلَانٌ، فَلَا اعْتِكَافَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَدِمَ حَيًّا مُخْتَارًا فَلَهُ حَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْدُمَ لَيْلًا.
وَالثَّانِي: نَهَارًا فَإِنْ قَدِمَ لَيْلًا فَلَا اعْتِكَافَ عَلَى النَّاذِرِ، لِأَنَّ شَرْطَ نَذْرِهِ لَمْ يُوجَدْ وَإِنْ قَدِمَ نَهَارًا، فَلِلنَّاذِرِ حَالَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَالِكُ التَّصَرُّفِ قَادِرًا عَلَى الِاعْتِكَافِ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَعْتَكِفَ بَقِيَّةَ نَهَارِهِ، لِأَنَّ شَرْطَ نذره وقد وُجِدَ، وَفِي قَضَاءِ مَا مَضَى مِنَ النَّهَارِ وَجْهَانِ مُخْرَجَانِ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِيمَنْ نَذَرَ أن يصوم يوم بِقُدُومِ فَلَانٍ.
أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، إِذَا قِيلَ: إِنَّ نَذْرَ الصَّوْمِ بَاطِلٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، إِذَا قِيلَ: إِنَّ نَذْرَ الصَّوْمِ صَحِيحٌ.
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ النَّاذِرُ مَمْلُوكَ التَّصَرُّفِ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى التَّصَرُّفِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا هَلْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إِذَا صَحَّ وَخَرَجَ مِنَ الْحَبْسِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَصَحُّهُمَا: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَزِمَهُ فِعْلُ عِبَادَةٍ إِذَا كَانَ صَحِيحًا، فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا إِذَا أَتَى عَلَيْهِ زَمَانُهَا وَكَانَ مَرِيضًا كَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ مُخْرَجٌ مِنْ أَحَدِ قَوْلَيْهِ، فِي نَذْرِ الصِّيَامِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَاجِزِ أَنَّ الْوُجُوبَ لَا يتعلق بذمته.
[مسألة:]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا بَأْسَ أَنْ يَلْبِسَ الْمُعْتَكِفُ، وَالْمُعْتَكِفَةُ وَيَأْكُلَا وَيَتَطَيَّبَا بِمَا شَاءَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ صَحِيحٌ وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ، أَنَّ الْمُعْتَكِفَ مَمْنُوعٌ مِنَ الطِّيبِ تَشْبِيهًا بِالْمُحْرِمِ، وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ السُّنَّةَ قَدْ وَرَدَتْ بِخِلَافِهِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَنَّهُ رَجَّلَ شَعْرَ رَأْسِهِ لِيُنَبِّهَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُحْرِمِ وَالْمُعْتَكِفِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ مُنِعَ مِنَ الطِّيبِ كَالْمُحْرِمِ لَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ حَلْقِ رَأْسِهِ، وَتَقْلِيمِ ظُفْرِهِ، وَلِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ لَا تَمْنَعُ مِنْ عَقْدِ النِّكَاحَ، لَا تَمْنَعُ مِنَ الطِّيبِ أَصْلُهُ الصَّوْمُ، وَعَكْسُهُ الْحَجُّ.
مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ هَلَكَ زَوْجُهَا خَرَجَتْ فَاعْتَدَّتْ ثُمَّ بَنَتْ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَعْتَكِفَ إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا، لِمَا يَمْلِكُ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، فَإِنِ اعْتَكَفَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَانَ لَهُ مَنْعُهَا، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الِاعْتِكَافِ ثُمَّ أَرَادَ مَنْعَهَا قَبْلَ تَمَامِ ذَلِكَ جَازَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى تَمْكِينُهَا مِنْ إِتْمَامِهِ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ إِنْ كَانَ اعْتِكَافُهَا