فَصْلٌ
وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الْعِوَضِ الْمَعِيبِ، أَنْ يَتْلَفَ فِي يَدِ السَّيِّدِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِعَيْبِهِ، فَالْمُسْتَحَقُّ فِيهِ الرُّجُوعُ بِأَرْشِهِ، فَيَرْتَفِعُ الْعِتْقُ بِاسْتِحْقَاقِ الْأَرْشِ، كَمَا يَرْتَفِعُ بِنُقْصَانِ الْقَدْرِ، وَلَا يَقِفُ عَلَى خِيَارِ السَّيِّدِ، فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْأَرْشَ إِلَى سَيِّدِهِ عَتَقَ حِينَئِذٍ بِهِ وَإِنِ امْتَنَعَ كَانَ لِلسَّيِّدِ تَعْجِيزُهُ بِهِ وَاسْتِرْقَاقُهُ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ الْمَعِيبُ بَاقِيًا فِي يَدِ السَّيِّدِ، لَكِنْ قَدْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ يَمْنَعُهُ مِنْ رَدِّهِ، فَيَكُونُ وُقُوعُ الْعِتْقِ مَوْقُوفًا عَلَى مَا يَسْتَقِرُّ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ الْأَرْشَ لَمْ يَسْتَقِرَّ لِإِمْكَانِ الرَّدِّ وَالرَّدَّ لَمْ يَسْتَقِرَّ لِحُدُوثِ الْعَيْبِ، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْتَرْجِعَ العرض مَعِيبًا، فَيَرُدَّ مِثْلَهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنَ اسْتِرْجَاعِهِ وَيَدْفَعَ قَدْرَ أَرْشِهِ.
فَإِذَا كَانَ هَكَذَا بُدِئَ بِالسَّيِّدِ وَقِيلَ لَهُ: أَتَرْضَى بِعَيْبٍ؟
فَإِنْ رَضِيَ بِهِ اسْتَقَرَّ وُقُوعُ الْعِتْقِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِالْعَيْبِ قِيلَ لِلْمُكَاتَبِ: أَتَرْضَى أَنْ يُسْتَرْجَعَ الْعِوَضُ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ، فَإِنْ رَضِيَ بِاسْتِرْجَاعِهِ كَانَ ارْتِفَاعُ عِتْقِهِ مَوْقُوفًا عَلَى رَدِّ الْعِوَضِ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَدَّهُ ارْتَفَعَ عِتْقُهُ، فَإِنْ قَضَاهُ بِمِثْلِهِ سَلِيمًا، وَإِلَّا عَجَّزَهُ السَّيِّدُ وَاسْتَرَقَّهُ، وَإِنِ امْتَنَعَ من استرجاعه معيبا فالمستحق في الْأَرْشُ، فَيَرْتَفِعُ عِتْقُهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ لِلْأَرْشِ، إِلَّا أَنْ يَسْمَحَ بِهِ السَّيِّدُ، فَيَصِيرَ كَالْإِبْرَاءِ، وَيَسْتَقِرَّ بِهِ وقوع العتق.
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوِ ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ أُنْظِرَ يَوْمًا وَأَكْثَرُهُ ثَلَاثٌ فَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدٍ حَلَفَ وَبَرِئَ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا أَنْ يَدَّعِيَ الْمُكَاتَبُ عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُ دَفَعَ إِلَيْهِ مَالَ كِتَابَتِهِ، وَيُنْكِرُهُ السَّيِّدُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ مَا قَبَضَ مِنْهُ مَالَ كِتَابَتِهِ، وَيَكُونُ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ يَمِينِ السَّيِّدِ عَلَى حَالِ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ نَكَلَ السَّيِّدُ عَنِ الْيَمِينِ رُدَّتْ عَلَى الْمُكَاتَبِ، فَإِذَا حَلَفَ بَرِئَ وَعَتَقَ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ بَيِّنَةٌ نَظَرَ، فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ حَاضِرَةً سُمِعَتْ وَحُكِمَ بِهَا عَلَى سَيِّدِهِ، وَهِيَ شَاهِدَانِ أَوْ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ، لِأَنَّهَا عَلَى دَفْعِ مَالٍ، وَإِنْ أَفْضَتْ إِلَى الْعِتْقِ، وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ تُسْمَعَ الشَّهَادَةُ فِيمَا يُفْضِي إِلَى مَا لَا يَثْبُتُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ، كَمَا تُسْمَعُ فِي الْوِلَادَةِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ، وَإِنْ ثَبَتَ بِهَا نَسَبٌ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ غَائِبَةً قِيلَ لَهُ: أَتَقْدِرُ عَلَى إِحْضَارِهَا عَنْ قَرِيبٍ؟ فَإِنْ قَالَ: لَا.
قِيلَ: فَأَنْتَ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُ فَيَحْلِفُ السَّيِّدُ، وَيَكُونُ الْمُكَاتَبُ بَاقِيًا عَلَى كِتَابَتِهِ، فَإِنِ اسْتَرَقَّهُ السَّيِّدُ بِالْعَجْزِ ثُمَّ حَضَرَتْ بَيِّنَتُهُ مِنْ بَعْدُ جَازَ سَمَاعُهَا، وَالْحُكْمُ بِعِتْقِهِ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الْعَادِلَةَ أَحَقُّ بِالْحُكْمِ مِنَ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ.
وَإِنْ قَالَ: أَقْدِرُ عَلَى إِحْضَارِ بَيِّنَتِي عَنْ قَرِيبٍ أُنْظِرَ لِإِحْضَارِهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute