نَفَذَ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ صَحَّ حُكْمُهُ مَعَ حَيَاةِ الزَّوْجِ وَمَوْتِهِ وَلَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ وَلَا ظهاره، ولا إيلائه وَيُحَدُّ مِنْ قَذْفِهِ وَلَا يَلْتَعِنُ.
(مَسْأَلَةٌ)
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوِ اعْتَدَّتْ بِأَمْرِ حَاكِمٍ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا أَوْ نَكَحَتْ وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ كَانَ حُكْمُ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ بِحَالِهِ غَيْرَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ فَرْجِهَا بِوَطْءِ شُبْهَةٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ زَوْجَةَ الْمَفْقُودِ إِذَا تَزَوَّجَتْ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ لَهَا الْحَاكِمُ بِفَسْخِ نِكَاحِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَدِمَ الْأَوَّلُ حَيًّا أَنَّ الْمَذَاهِبَ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ.
فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْأَوَّلَ يَكُونُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَنْزِعَهَا مِنَ الثَّانِي وَبَيْنَ أَنْ يُقِرَّهَا عَلَيْهِ، وَيَأْخُذَ مِنْهُ مَهْرَ مِثْلِهَا، لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ خَيَّرَ الْمَفْقُودَ حِينَ قَدِمَ بَيْنَ زَوْجَتِهِ أَوْ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَهَذَا التَّخْيِيرُ فَاسِدٌ، لِأَنَّهَا لَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً لِلْأَوَّلِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقِرَّ مَعَ الثَّانِي، أَوْ تَكُونَ زَوْجَةً لِلثَّانِي فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَزِعَهَا الْأَوَّلُ، وَإِذَا بَطَلَ التَّخْيِيرُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَانَ النِّكَاحُ مَحْمُولًا عَلَى صِحَّةِ نِكَاحِ الثَّانِي وَفَسَادِهِ، فَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ نِكَاحُ الثَّانِي وَهِيَ زَوْجَةٌ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ يُنْظَرُ فِي الثَّانِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَحَلَّتْ لِلْأَوَّلِ مِنْ وَقْتِهَا وَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ وَطْءَ شُبْهَةٍ يُوجِبُ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ حَلَّتْ لَهُ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ إِذَا قَدِمَ الْأَوَّلُ حَيًّا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي نِكَاحِ الْأَوَّلِ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِفَسْخِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَعْنَى حُكْمٍ الْحَاكِمِ هَلْ نَفَذَ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ أَوْ نَفَذَ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ مَعًا فَإِنْ قِيلَ بِنُفُوذِهِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ مَعًا فَقَدْ بَطَلَ نِكَاحُ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ كَانَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، وَيَكُونُ نِكَاحُ الثَّانِي صَحِيحًا.
وَإِنْ قِيلَ: بِنُفُوذِهِ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ فَنِكَاحُ الْأَوَّلِ ثَابِتٌ سَوَاءٌ نَكَحَتْ بَعْدَهُ أَوْ لَمْ تَنْكِحْ لِزَوَالِ الظَّاهِرِ مَعَ وُجُودِ الْحَيَاةِ، وَيَكُونُ نِكَاحُ الثَّانِي بَاطِلًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ نِكَاحَ الْأَوَّلِ ثَابِتٌ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّ عِلَّةَ الْفَسْخِ تَغْلِيبُ حُكْمِ الْمَوْتِ، وَقَدْ بَطَلَتْ مَعَ وُجُودِ الْحَيَاةِ سَوَاءٌ تَزَوَّجَتْ أَوْ لَمْ تَتَزَوَّجْ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ نِكَاحَ الْأَوَّلِ بَاطِلٌ فِي الْحَالَيْنِ، لِأَنَّ عِلَّةَ الْفَسْخِ انْقِطَاعُ خَبَرِهِ، وَعَدَمُ الْعِلْمِ بِأَثَرِهِ، وَهَذِهِ الْعِلَّةِ مَوْجُودَةٌ، وَإِنْ بَانَ حَيًّا مِنْ بَعْدُ سَوَاءٌ تَزَوَّجَتْ أو لم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute