ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِعَدَدِ الْأَضْلَاعِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْتَبَرًا لَقُدِّمَ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَبَالِ، لِأَنَّهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ فِي الْخِلْقَةِ.
وَالثَّانِي: مَا حُكِيَ عَنْ أَصْحَابِ التَّشْرِيحِ وَمَا تُوجَدُ شَوَاهِدُهُ فِي الْبَهَائِمِ بَعْدَ الذَّبْحِ أَنَّ أَضْلَاعَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى، وَأَنَّهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ضِلْعًا مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَفِي كُلِّ جَانِبٍ مِنْهَا اثْنَا عَشَرَ ضِلْعًا خَمْسَةٌ مِنْهَا تَتَلَاقَى، وَسَبْعَةٌ مِنْهَا أَضْلَاعُ الْخَلَفِ وَهِيَ الَّتِي لَا تَتَلَاقَى، فَإِذَا لَمْ يزل إشكاله بالأمارات الظاهرة لتكافئ دَلَائِلِهَا وَجَبَ أَنْ يُرْجَعَ إِلَى الْأَمَارَاتِ الْبَاطِنَةِ الْمَرْكُوزَةِ فِي طَبْعِهِ، فَإِنَّ الذَّكَرَ مَطْبُوعٌ عَلَى مَا رَكَّبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ مِنْ شَهْوَةِ الْأُنْثَى وَالْأُنْثَى مَطْبُوعَةٌ عَلَى مَا رَكَّبَهُ اللَّهُ تعالى فيها من شهوة الرجال الذكر لِيَحْفَظَ بِالشَّهْوَةِ الْغَرِيزِيَّةِ بَقَاءَ التَّنَاسُلِ.
وَمِثَالُهُ مَا يَقُولُهُ فِي لُحُوقِ الْأَنْسَابِ عِنْدَ الِاشْتِرَاكِ وَالِاشْتِبَاهِ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ بِالْقَافَةِ إِلَى الْأَمَارَاتِ الظَّاهِرَةِ فِي الْجَسَدِ فَإِذَا عُدِمَ الْبَيَانُ مِنْهَا رَجَعْنَا إِلَى الْأَمَارَاتِ الْبَاطِنَةِ فِي الْمَيْلِ بِالطَّبْعِ الْمَرْكُوزِ فِي الْخِلْقَةِ إِلَى الْمُتَمَازِجِينَ فِي الِانْتِسَابِ فَيُؤْخَذَ بِالِانْتِسَابِ إِلَى مَنْ مَالَ طَبْعُهُ إِلَيْهِ كَذَلِكَ الْخُنْثَى، وَهَذِهِ الشَّهْوَةُ تُسْتَكْمَلُ بِالْبُلُوغِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَالَّذِي يَكُونُ بِهِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ بَالِغًا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فَإِذَا بَلَغَ اعْتُبِرَتْ حِينَئِذٍ شَهْوَتُهُ فِي الْمَيْلِ إِلَى أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ فَإِنْ مَالَتْ شَهْوَتُهُ إِلَى النِّسَاءِ حُكِمَ بِأَنَّهُ رَجُلٌ وَإِنْ مَالَ إِلَى شَهْوَةِ الرِّجَالِ حُكِمَ بِأَنَّهُ امْرَأَةٌ، وَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ كَمَا أُجْرِيَ عَلَيْهِ مِنْ حُكْمِ أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ إِلَّا أَنْ تَظْهَرَ مِنْ دَلَائِلِ أَصِلِ الْخِلْقَةِ مَا تَقْتَضِيهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَرْجِعَ إِلَى شَهْوَتِهِ عِنْدَ عَدَمَ الْبَيَانِ فِي الْمَبَالِ لِتَسَاوِيهِمَا، وَيُحْكَمُ بِمَيْلِهِ إِلَى الرِّجَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ ثُمَّ يَنْقَطِعُ بَوْلُهُ مِنَ الْفَرْجِ وَيَسْتَدِرُّ مِنَ الذَّكَرِ، فَيُحْكَمُ بِأَنَّهُ رَجُلٌ بَعْدَ أَنْ جَرَى حُكْمُ النِّسَاءِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْأَمَارَاتِ الظَّاهِرَةَ أَقْوَى بَيَانًا مِنَ الْأَمَارَاتِ الْبَاطِنَةِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَ رَجُلًا فُسِخَ نِكَاحُهُ وَزُوِّجَ امْرَأَةً إِنْ شَاءَ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا مِنْ حَالِ الْخُنْثَى فِي زَوَالِ إِشْكَالِهِ أَوْ بَقَائِهِ عَلَى إِشْكَالِهِ فيحكم مَنْ أَرْضَعَهُ مِنَ الْأَطْفَالِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِهِ فَإِنْ أُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الرِّجَالِ، وَنَزَلَ لَهُ لَبَنٌ فَأَرْضَعَ بِهِ طِفْلًا لَمْ تَنْتَشِرْ بِهِ الْحُرْمَةُ وَلَمْ يَصِرِ ابْنًا لَهُ مِنَ الرَّضَاعِ، لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَصِيرُ بِلَبَنِهِ أَبًا وَقَالَ الْحُسَيْنُ الْكَرَابِيسِيُّ: يَصِيرُ بِلَبَنِهِ أَبًا كَالْأُمِّ تَصِيرُ بِلَبَنِهَا أُمًّا وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْبَتَ بِالرَّضَاعِ أُمًّا، وَلَمْ يُثْبِتْ بِهِ أَبًا فَقَالَ {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: ٢٣] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute