للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي جَمِيعِ الْأَبْوَالِ، وَلِأَنَّهُ نَجِسٌ مِنَ الْآدَمِيِّ فَكَانَ نَجِسًا مِنَ الْبَهَائِمِ

أَصْلُهُ: الدَّمُ وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ دَمُهُ نَجِسٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَوْلُهُ نَجِسًا كَالْآدَمِيِّ، فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فَرَاوِيهِ أَبُو جَهْمٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا بَأْسَ بِهِ " يَدُلُّ عَلَى طَهَارَتِهِ، بَلْ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَأَنَّهُ أَخَفُّ حَالًا مِنْ غَيْرِهِ

وَفَائِدَتُهُ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَمْرِ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، لِأَنَّهُ أَنْفَعُ فِي التَّدَاوِي مِنْ بَوْلِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ، فَأَمَّا حَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ شُرْبِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ: جَوَازُ شُرْبِهِ دَلِيلٌ عَلَى طَهَارَتِهِ قِيلَ: بَاطِلٌ بِالْمَيِّتَةِ، وَأَمَّا طَوَافُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْبَيْتِ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهَا النَّجَاسَةُ، وَمَا لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ النَّجَاسَةُ فَلَا بَأْسَ بِفِعْلِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَحْمِلُ أُمَامَةَ بِنْتَ الْعَاصِ فِي الصَّلَاةِ. وَالطِّفْلُ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْبَهِيمَةِ فِي إِرْسَالِ النَّجَاسَةِ عَلَى أَنَّ عَادَةَ الْإِبِلِ أَنَّهَا لَا تُرْسِلُ النَّجَاسَةَ فِي سَيْرِهَا، وَأَمَّا إِجْمَاعُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا لَيْسَ فِعْلُ جَمِيعِهِمْ فَيَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِعْلُ جَمِيعِهِمْ لَمْ يَلْزَمْ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا كُلَّ الْأُمَّةِ، وَلَوْ كَانُوا كُلَّ الْأُمَّةِ لَمْ يَكُنْ إِجْمَاعًا، لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ، وَالْحَسَنَ يُخَالِفَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَأَمَّا الْعَسَلُ فَخَارِجٌ مِنْ فَمِ النَّحْلِ لَا مِنْ دُبُرِهَا عَلَى أَنَّ النَّحْلَ حَيَوَانٌ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَبَوْلُهُ وَرَوْثُهُ نجس بإجماعنا، وإياهم، وأما الأنفخة فَلَبَنٌ جَامِدٌ، وَلِذَلِكَ حَلَّ أَكْلُهُ وَسَاغَتْ طَهَارَتُهُ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: هُوَ نَجِسٌ، لِأَنَّهُ كَرِشٌ فَأَمَّا جَرَّةُ الْبَعِيرِ الَّتِي يُخْرِجُهَا مِنْ جَوْفِهِ ثُمَّ يَجْتَرُّهَا فَلَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِي نجاستها كالقيء سَوَاءٌ

(مَسْأَلَةٌ)

: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " وَيَفْرُكُ الْمَنِيَّ فَإِنْ صَلَّى بِهِ وَلَمْ يْفَرُكْهُ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: " كُنْتُ أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثم يصلي فيه " وروي عن ابن عباس أنه قال " أمطه عنه بِإِذْخِرَةٍ فَإِنَّمَا هُوَ كَبُصَاقٍ أَوْ مُخَاطٍ "

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ الْمَنِيُّ طَاهِرٌ فِي أَصْلِ خَلْقِهِ، وَعَلَى كُلِّ أَحْوَالِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَائِشَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءٌ

وَقَالَ أبو حنيفة: الْمَنِيُّ نَجِسٌ فِي جَمِيعِ حَالَاتِهِ إِلَّا أَنَّهُ إِنْ كَانَ يَابِسًا طُهِّرَ بالفرك وإن كان رطباً نجس بِالْغَسْلِ

وَقَالَ مَالِكٌ: الْمَنِيُّ طَاهِرٌ فِي أَصْلِ خَلْقِهِ وَإِنَّمَا تَنَجَّسَ فِي ظُهُورِهِ بِمُرُورِهِ فِي الذَّكَرِ بِمَرِّ الْأَنْجَاسِ، وَلَا يُطَهَّرُ إِلَّا بِالْغَسْلِ رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا

<<  <  ج: ص:  >  >>