للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّمَا يُغْسَلُ الْمَنِيُّ وَالدَّمُ وَالْبَوْلُ " فَدَلَّ جَمْعُهُ بَيْنَهُمْ فِي الْحُكْمِ عَلَى إِجْمَاعِهِ فِي النَّجَاسَةِ؛ وَبِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: " اغْسِلِيهِ رَطْبًا، وَافْرُكِيهِ يَابِسًا "

وَلِأَنَّهُ مَائِعٌ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ فَأَشْبَهَ الْبَوْلَ، وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ يُوجِبُ الْغَسْلَ فَأَشْبَهَ دَمَ الْحَيْضِ، وَلِأَنَّهُ مَائِعٌ يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ اللَّذَّةِ فَأَشْبَهَ الْمَذْيَ، وَلِأَنَّ الْمَنِيَّ فِي الْأَصْلِ دَمٌ اسْتَحَالَ وَيَسْتَحِيلُ دَمًا فِي ثَانِي حَالٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ نَجِسًا إِلْحَاقًا بِأَحَدِ طَرَفَيْهِ، وَهَذَا خَطَأٌ

وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: ٥٤] فَأَطْلَقَ عَلَى الْمَنِيِّ اسْمَ الْمَاءِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْطَلِقَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ فِي الطَّهَارَةِ

وَرَوَى شَرِيكٌ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي الْمَنِيِّ: " أَمِطْهُ عَنْكَ بِإِذْخِرَةٍ، فَإِنَّمَا هُوَ كَبُصَاقٍ، أَوْ مُخَاطٍ " فَشَبَّهَهُ بِالْبُصَاقِ الطَّاهِرِ فِي حُكْمِهِ، وَأَمَرَ بِإِمَاطَتِهِ بِالْإِذْخِرَةِ، وَالْأَنْجَاسُ لَا تَطْهُرُ بِالْحَشَائِشِ، فَدَلَّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ عَلَى طَهَارَتِهِ

وَرَوَى الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: " كُنْتُ أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ " وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَالِكٍ، لِأَنَّ أبا حنيفة يُجِيزُ فَرْكَهُ يَابِسًا وَرَوَى مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: " كُنْتُ أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِيهِ "، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّ أبا حنيفة يَرَى أَنَّ فَرْكَ الْمَنِيِّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ يَمْنَعُ مِنَ انْعِقَادِ الصَّلَاةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>