للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُهُمَا: لَا حَقَّ فِيهَا لِلشَّفِيعِ لِتُمَيُّزِهَا عَمَّا يَكُونُ تَبَعًا فَعَلَى هَذَا يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ مِنَ النَّخْلِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهَا مَعَ الشِّقْصِ تَبَعًا وَقْتَ الْعَقْدِ لِاتِّصَالِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الشَّفِيعِ مِنْهُ عِنْدَ انْفِصَالِهِ كَالْبِنَاءِ إِذَا انْهَدَمَ، وَلَا فَرْقَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ عَلَى نَخْلِهَا، أَوْ مَجْذُوذَةً، وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ جُذَّتْ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا لِانْفِصَالِهَا، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى نَخْلِهَا أَخَذَهَا بِشُفْعَتِهِ مُؤَبَّرَةً وَغَيْرَ مؤبرة وتوجيه القولين دليل عليه.

[مسألة]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَا شُفْعَةَ فِي بئرٍ لَا بَيَاضَ لَهَا لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْقَسْمَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَا سِوَى الْعَقَارِ وَالْأَرَضِينَ لَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَإِنَّ الْعَقَارَ ضَرْبَانِ:

ضَرْبٌ يُقْسَمُ جَبْرًا فَفِيهِ الشُّفْعَةُ وِفَاقًا، وَضَرْبٌ لَا يُقْسَمُ جَبْرًا، فَفِيهِ الشُّفْعَةُ عِنْدَ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سريج وبه قال مالك أبو حنيفة خَوْفًا مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَاسْتِدَامَةِ الضَّرَرِ بِهِ وَلِهَذَا الْقَوْلِ وَجْهٌ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لَا شفعة فيه للأمن من مؤونة الْقِسْمَةِ.

وَعَلَيْهِ يَكُونُ التَّفْرِيعُ: فَمِنْ ذَلِكَ الْبِئْرُ الْمُشْتَرَكَةُ إِذَا بِيعَ شِقْصٌ مِنْهَا فَلَا يَخْلُو حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَوْلَهَا بَيَاضٌ لَهَا أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ حَوْلَهَا بَيَاضٌ لَهَا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تكون واسعة يحتمل الْقِسْمَةَ كَالْأَرْضِ الَّتِي يُحْفَرُ فِيهَا بِئْرٌ وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِلْقَسْمِ فَالشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْبِئْرِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ كَمَا تَجِبُ فِي النَّخْلِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ لِأَنَّ الْبِئْرَ إِذَا حَصَلَتْ فِي حِصَّةِ أَحَدِهِمَا أمكن للآخر مفر مِثْلِهَا فِي حِصَّتِهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْبَيَاضُ ضَيِّقًا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لِأَنَّهُ حَرِيمٌ لِلْبِئْرِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُفْرَدَ عَنْهَا عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي قَدْرِ الْحَرِيمِ فَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْبِئْرِ الَّتِي لَيْسَ حَوْلَهَا بَيَاضٌ لَهَا لِأَنَّهُ لِقِلَّتِهِ وَتَعَذُّرِ إِفْرَادِهِ عَنْهَا تَبَعٌ لَهَا، وَإِذَا اتَّسَعَ صَارَتِ الْبِئْرُ تَبَعًا لَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ حَوْلَ الْبِئْرِ بَيَاضٌ أَوْ كَانَ يَسِيرًا لَا يَحْتَمِلُ الْقَسْمَ فَلَا يَخْلُو حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أَنْ تَكُونَ وَاسِعَةً أَوْ ضَيِّقَةً، فَإِنْ كَانَتْ ضَيِّقَةً لَا تَحْتَمِلُ الْقَسْمَ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي بئرٍ وَلَا فحلٍ وَالْأُرُقُ تَقْطَعُ كُلَّ شفعةٍ " يَعْنِي بِالْفَحْلِ: فَحْلَ النَّخْلِ يَكُونُ لِلرَّجُلِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ شِرْكٍ فِي الْأَرْضِ، وَالْأُرُقُ الْمَعَالِمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>