كَإِسْلَامِ مُرْسِلِهِ لَوِ ارْتَدَّ عَنْهُ بِعَدَمِ إِرْسَالِهِ لَمْ يَحْرُمْ مَا صِيدَ قَبْلَ رِدَّتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ حَكَمَ بِتَعْلِيمِهِ بِمَا تَكَرَّرَ مِنْ تَرْكِ أَكْلِهِ، وَحُدُوثُ الْأَكْلِ مِنْهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِشِدَّةِ جُوعٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِحُدُوثِ نِسْيَانٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِأَنَّ تَعْلِيمَهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْقُضَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ لحكم بِتَعْلِيمِهِ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ حُدُوثٍ وَقِدَمٍ، كَالشَّاهِدَيْنِ إِذَا نُفِّذَ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمَا، ثُمَّ حَدَثَ فِسْقُهُمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُنْتَقَضَ بِهِ الْحُكْمُ الْمُتَقَدِّمُ؛ لِجَوَازِ تَرَدُّدِهِ بَيْنَ حُدُوثٍ وَقِدَمٍ؛ وَلِأَنَّ تَرْكَهُ الْأَكْلَ شَرْطٌ فِي التَّعْلِيمِ كَمَا أَنَّ اسْتِرْسَالَهُ إِذَا أُرْسِلَ شَرْطٌ فِيهِ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ صَارَ يَسْتَرْسِلُ إِنْ لَمْ يُرْسَلْ، وَلَا يَسْتَرْسِلُ إِنْ أُرْسِلَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَيْدِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَلَّمٍ فِيهِ، كَذَلِكَ حُدُوثُ الْأَكْلِ.
وَبِتَحْرِيرِ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ تَكُونُ الْأَجْوِبَةُ عَمَّا قَدَّمُوهُ مِنَ الدَّلِيلِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا تَعَارَضَ مَا يُوجِبُ الْحَظْرَ وَالْإِبَاحَةَ، يَغْلِبُ حُكْمُ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ. قِيلَ: قَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا وَاعْتَبَرَ تَرَجُّحَ أَحَدِهِمَا بِدَلِيلٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ غَلَّبَ الْحَظْرَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، لَكِنْ يَكُونُ هَذَا فِيمَا امْتَزَجَ فِيهِ حَظْرٍ وَإِبَاحَةٍ. فَأَمَّا مَا لَمْ يَمْتَزِجْ فِيهِ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ، فَلَا يُوجِبُ تَغْلِيبَ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ، كَالْأَوَانِي إِذَا كان بعضها بخساً، وَبَعْضُهَا طَاهِرًا لَمْ تَمْنَعْ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي الظَّاهِرِ، وَهَاهُنَا قَدْ تَمَيَّزَتِ الْإِبَاحَةُ فِي الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْحَظْرِ، فِي الْمُسْتَأْجَرِ، فَلَمْ يَجُزْ تَغْلِيبُ أحدهم عَلَى الْآخَرِ، وَأَثْبَتَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْحُكْمَيْنِ فِي مَحَلِّهِ.
(فَصْلٌ:)
وَإِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي دَمِ الصَّيْدِ لَمْ يُحَرَّمْ أَكْلُهُ، وَحَرَّمَهُ النَّخَعِيُّ، وَأَجْرَاهُ مَجْرَى الْأَكْلِ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ الدَّمَ خَارِجٌ مِنَ الْإِبَاحَةِ، فَلَمْ يعتقد منه التحريم كالغرث.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُنْفَصِلٌ، فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حُكْمٌ متصل، والله أعلم.
[(مسألة:)]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِذَا أَرْسَلَ أَحْبَبْتُ لَهُ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى فَإِنْ نَسِيَ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: التَّسْمِيَةُ عَلَى الصَّيْدِ وَالذَّبِيحَةِ سُنَّةٌ، وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، فَإِنْ تَرَكَهَا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا، حَلَّ أَكْلُهُ.
وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ عَطَاءٌ، وَمَالِكٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute