للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْحَدَثِ، فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَإِنَّمَا يُبْطِلُ الطَّهَارَةَ ثُمَّ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِبُطْلَانِ الطِّهَارَةِ عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي سَهْوِهِ مَا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِحَالٍ اسْتَوَى حُكْمُ عَمْدِهِ وَسَهْوِهِ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِهِ، وَلَمَّا كَانَ مِنْ سَهْوِ الْكَلَامِ مَا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَهُوَ السَّلَامُ بِهَا اقْتَرَنَ حُكْمُ عَمْدِهِ وَسَهْوِهِ فَكَانَ جِنْسُ السَّهْوِ لَا يُبْطِلُهَا، وَجِنْسُ الْعَمْدِ يُبْطِلُهَا

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ، لِأَنَّهُ كَلَامٌ يُبْطِلُهَا كَثِيرُهُ، فَالْجَوَابُ: أَنَّ فِي سَهْوِ الْكَلَامِ إِذَا طَالَ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ: لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَحَمَلَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ: " وَإِنْ تَطَاوَلَ اسْتَأْنَفَ عَلَى الْأَعْمَالِ دُونَ الْكَلَامِ " فَسَقَطَ هَذَا السُّؤَالُ

وَالثَّانِي: يُبْطِلُهَا وَالْمَعْنَى فِيهِ: قَطْعُ الْخُشُوعِ فِي كَثِيرِهِ وَعَدَمُهُ فِي قَلِيلِهِ

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا مَا تَرَكَهُ الْمُصَلِّي مِنْ أَعْمَالِ صَلَاتِهِ نَاسِيًا فَعَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: بِمَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ، وَهُوَ النِّيَّةُ، وَالْإِحْرَامُ

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَجْلِهِ وَهُوَ: التَّوَجُّهُ، وَالِاسْتِعَاذَةُ، وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَالتَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ، وَتَكْبِيرَاتُ الْأَرْكَانِ وَهَيْئَاتُ الْأَفْعَالِ

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ وَيَلْزَمُ سُجُودُ السَّهْوِ مِنْ أَجْلِهِ، وَهُوَ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، وَالْقُنُوتُ

الْقِسْمُ الرابع: ما تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ وَيَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ عَنْ قَرِيبٍ مَعَ سُجُودِ السَّهْوِ، وَهُوَ الرُّكُوعُ، وَالسُّجُودُ إِنْ ذَكَرَهُ بَعْدَ زَمَانٍ قَرِيبٍ أَتَى بِهِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ تَطَاوَلَ الزَّمَانُ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ وَلَيْسَ لِقُرْبِ الزَّمَانِ وَبُعْدِهِ حَدٌّ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى عُرْفِ النَّاسِ، وَعَادَاتِهِمْ، وَحَكَى " الْبُوَيْطِيُّ " عَنِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ قَدَّرَ ذَلِكَ بِرَكْعَةٍ مُعْتَدِلَةٍ لَا طَوِيلَةٍ، وَلَا قَصِيرَةٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِحَدٍّ وَلَا الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ كَمَا زَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَإِنَّمَا قَالَهُ عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيبِ فِي الْعَادَةِ

وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ: مَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهِ، وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ مِنْ أَحَدِ رَكَعَاتِهِ فَفِي صَلَاتِهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: صَلَّى بِنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَغْرِبَ فَتَرَكَ الْقِرَاءَةَ، فَلَمَّا فَرَغَ قِيلَ لَهُ تَرَكْتَ الْقِرَاءَةَ فَقَالَ: كَيْفَ كَانَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ؟ قَالُوا: حَسَنًا قَالَ: فَلَا بَأْسَ إِذًا

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا مِنَ الْأَمْرِ الْعَامِّ المشهور

<<  <  ج: ص:  >  >>