للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - واجبة في الصلاة وغيرها فلم سعهما تَرْكُ إِجَابَتِهِ، وَلَوْ كَانَا فِي الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَلَّمَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ فِي الصلاة فلم يرد عليه فخفف، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا مَنَعَكَ أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فَقَالَ: عِنْدَكَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} فَقَالَ: لَا أَعُودُ "

وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ هُوَ أَنَّ إِجْمَاعَنَا أَنَّ الْكَلَامَ كَانَ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ عَمْدًا وَسَهْوًا، ثُمَّ نُسِخَ عَمْدُ الْكَلَامِ وَبَقِيَ سَهْوُهُ، فَمَنْ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِهِ فَقَدْ أَثْبَتَ نَسْخَهُ وَالنَّسْخُ لَا يَجُوزُ بِخَبَرٍ مُحْتَمَلٍ، وَهَذِهِ دَلَالَةُ قَوْلِهِ لَا اعْتِرَاضَ لَهُمْ عَلَيْهَا، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا يَخْتَصُّ مِنْ إِبْطَالِ الصَّلَاةِ وَجَبَ أَنْ يُفَارِقَ عَمْدُهُ لِسَهْوِهِ فِي إِبْطَالِ الصَّلَاةِ، كَتَقْدِيمِ رُكْنٍ عَلَى رُكْنٍ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَهَا مَحْظُورَاتٌ تَخُصُّهَا فَجَازَ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ بَعْضُ مَحْظُورَاتِهَا، كَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَلِأَنَّ الْكَلَامَ مُبَاحٌ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَلَمْ تَبْطُلْ بِسَهْوِهِ الصَّلَاةُ

أَصْلُهُ: إِذَا أَرَادَ الْقِرَاءَةَ فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِالْكَلَامِ، وَلِأَنَّهُ خِطَابُ آدَمِيٍّ وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُبْطِلَهَا أَصْلُهُ إِذَا سَلَّمَ فِي خِلَالِهَا نَاسِيًا، فَإِنْ قِيلَ إِنَّمَا لَمْ تَبْطُلْ صلاة بالسلم، لِأَنَّهُ مِنْ أَرْكَانِهَا، قِيلَ: لَوْ كَانَ مِنْ أَرْكَانِهَا لَمْ يَقَعِ الْفَرْقُ بَيْنَ عَمْدِهِ وَسَهْوِهِ عَلَى أَنَّ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فِي مَوْضِعِهِ، فَأَمَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَلَا، وَلَيْسَ كَوْنُ ذَلِكَ ذُكِرَ فِي مَوْضِعِهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ ذُكِرَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَلَا تَرَى أَنَّ حَلْقَ الْمُحْرِمِ فِي مَوْضِعٍ نُسُكٌ وَعِبَادَةٌ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ غَيْرُ عِبَادَةٍ، بَلْ يَأْثَمُ وَيَضْمَنُ لِتَعَدِّيهِ، كَقَتْلِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ سَهْوَ الْكَلَامِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَلَا يُوقَنُ مِثْلُهُ فِي الْقَضَاءِ فَسَقَطَتْ فِيهِ الْإِعَادَةُ، وَصَارَ كَالْخَطَأِ فِي وُقُوفِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ فِي الْعَاشِرِ

فَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَفِيهِ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ أَوْلَى مِنْهُ لِتَأَخُّرِهِ

وَالثَّانِي: أَنَّ النَّهْيَ وَارِدٌ فِي عَمْدِ الْكَلَامِ دُونَ سَهْوِهِ، لِأَنَّ السَّهْوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَجَّهَ النَّهْيُ إِلَيْهِ مَعَ تَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ

وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ وَقَوْلُهُ: " لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ " يَقْتَضِي فَسَادَ الْكَلَامِ لَا الصَّلَاةِ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ حُجَّةٌ لَنَا، لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ فَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَلَا أَمَرَهُ بِإِعَادَتِهَا، وَالْجَاهِلُ بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي حُكْمِ الْمُتَكَلِّمِ نَاسِيًا

وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَمَحْمُولٌ إِنْ صَحَّ عَلَى عَمْدِ الْكَلَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>