للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهَا دُونَ كَثِيرِهَا

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ، وَكَأَنَّهُ أَصَحُّ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِ دَمِ الْإِنْسَانِ مِنْ فِصَادِهِ، أَوْ حِجَامِهِ، أَوْ رُعَافِهِ، أَوْ جُرْحِهِ وَلَا يُعْفَى عَنْ دَمِ غَيْرِهِ مِنْ بَهِيمَةٍ، أَوْ آدَمِيٍّ فَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ قَلِيلِ ذَلِكَ وَكَثِيرِهِ فَلَا حَدَّ لَهُ إِلَّا مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ مِنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ مِنَ " الْمَبْسُوطِ " إِذَا كَانَ مَاءُ الْقُرُوحِ لُمْعَةً وَجَبَ إِزَالَتُهُ

وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: إِذَا كَانَ كَقَدْرِ الْكَفِّ وَجَبَتْ إِزَالَتُهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُخْتَلِفًا بَلْ هُوَ تَقْرِيبٌ عَلَى مَعْنَى الْفَرْقِ وَالْعَادَةِ، فَإِنْ فَحُشَ وَجَبَتْ إِزَالَتُهُ، وَإِنْ قَلَّ عُفِيَ عَنْهُ

(فَصْلٌ)

: إِذَا سَلَّمَ الرَّجُلُ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ رَأَى عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةً أَوْ بَدَنِهِ نَجَاسَةً فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُمْكِنُ حُدُوثُهَا بَعْدَ السَّلَامِ فَالصَّلَاةُ مُجْزِئَةٌ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِاسْتِقْرَارِ الْأَدَاءِ وَعَدَمِ مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَتَيَقَّنَ تَقَدُّمَ النَّجَاسَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَفِي الصَّلَاةِ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ أَيْضًا:

أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ عَلِمَ بِهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَا شَاهَدَهَا إِلَّا بَعْدَ السَّلَامِ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ لِرِوَايَةِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَّى فِي نَعْلَيْهِ ثُمَّ خَلَعَهُمَا فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ قَالُوا خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا فَقَالَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ بِهَا قَذَرًا

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ فِيهَا دَمَ حلمةٍ، وَلِأَنَّ الْمُصَلِّيَ مَأْمُورٌ بِفِعْلِ أَشْيَاءَ، كَالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَبِتَرْكِ أَشْيَاءَ كَالنَّجَاسَةِ، وَالْكَلَامِ، ثُمَّ كَانَ مَا أُمِرَ بِفِعْلِهِ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ عَمْدًا، أَوْ نِسْيَانًا وَمَا أُمِرَ بِتَرْكِهِ وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ عَمْدِهِ وَنِسْيَانِهِ كَالْكَلَامِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ الْمَأْمُورُ بِتَرْكِهَا يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ عَمْدِهَا وَنِسْيَانِهَا كَالْكَلَامِ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ مَعَ الْعَمْدِ، وَتَصِحُّ مَعَ النِّسْيَانِ

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ لَوْ تَرَكَهَا عَامِدًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فَوَجَبَ إِذَا تَرَكَهَا سَاهِيًا أَنْ لَا تَصِحَّ صَلَاتُهُ قِيَاسًا عَلَى رَفْعِ الْحَدَثِ، وَلِأَنَّهُ حَامِلٌ نَجَاسَةً لَوْ كَانَ عَالِمًا بِهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فَوَجَبَ إِذَا كَانَ سَاهِيًا لَهَا أَنْ لَا تَصِحَّ صَلَاتُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>