للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلَكَ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جنبٌ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنَ الِاغْتِسَالِ وَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) {النساء: ٢٩) فَضَحِكَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَمْ يَقُلْ فِيَّ شَيْئًا.

فَإِذَا تَقَرَّرَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ التَّيَمُّمِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ إِذَا خَافَ التَّلَفَ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى وُجُوبِ الْإِعَادَةِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِهِ فَإِنْ كَانَ فِي حَضَرٍ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ إِسْخَانِ الْمَاءِ فِي الْحَضَرِ نَادِرٌ، وَإِنْ كَانَ فِي سَفَرٍ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ، وَقَالَ مَالِكٌ وأبو حنيفة لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا، وَقَالَ أبو يوسف ومحمد: إِنْ كَانَ مُقِيمًا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، فَإِذَا قِيلَ: بِسُقُوطِ الْإِعَادَةِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُسَافِرِ وَمَذْهَبُ أبي حنيفة فِي الْمُسَافِرِ وَالْحَاضِرِ فَوَجْهُ مَا حَكَيْنَاهُ مِنْ قِصَّةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ وَلَوْ وَجَبَتْ لَأَبَانَهَا مَعَ حَاجَةِ عَمْرٍو إِلَى مَعْرِفَتِهَا، وَلِأَنَّ مَنْ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْمَاءِ بِالتَّيَمُّمِ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ بِالتَّيَمُّمِ كَالْمَرِيضِ الْعَاجِزِ، وَالْعَادِمِ الْمُسَافِرِ.

فَإِذَا قِيلَ: بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِي الْحَاضِرِ، وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُسَافِرِ فَوَجْهُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ) {المائدة: ٦) وَهَذَا لَيْسَ بِمَرِيضٍ وَلَا مُسَافِرٍ عَادِمٍ، وَلِأَنَّ الْأَعْذَارَ النَّادِرَةَ لَا تَسْقُطُ مَعَهَا الْإِعَادَةُ كَالْعَادِمِ لِلْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَالْأَعْذَارُ الْعَامَّةُ يَسْقُطُ مَعَهَا الْإِعَادَةُ كَالْعَادِمِ لِلْمَاءِ فِي السَّفَرِ وَكَالْمَرِيضِ فِي الْحَضَرِ، وَتَعَذُّرُ إِسْخَانِ الْمَاءِ فِي الْبَرْدِ وَالْخَوْفِ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ عن الْأَعْذَارِ النَّادِرَةِ، فَلَمْ يَسْقُطْ مَعَهُ الْإِعَادَةُ، فَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرٍو فَإِنْكَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَهُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ ثُمَّ وَكَّلَهُ فِي تَصْرِيحِ الْأَمْرِ بِهِ عَلَى مَا عَلِمَ من علمه، إذ قد استدل على مااستباحه مِنَ التَّيَمُّمِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ وَالْمَرَضُ وَالسَّفَرُ مِنَ الْأَعْذَارِ الْعَامَّةِ.

(مَسْأَلَةٌ: حُكْمُ تَيَمُّمِ من ببعض جسده قرح أو جرح)

قال الشافعي: " وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ جَسَدِهِ دُونَ بَعْضٍ غسل ما لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ وَتَيَمَّمَ لَا يُجْزِئُهُ أَحَدُهُمَا دون الآخر ".

<<  <  ج: ص:  >  >>