أَحَدُهُمَا: أَنَّ زَكَاةَ مَالِ التِّجَارَةِ فِي قِيمَتِهِ لَا فِي عَيْنِهِ، وَالْقِيمَةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْحَالَيْنِ لَمْ تَنْقَطِعْ بِالْمُبَادَلَةِ، وَزَكَاةُ هَذَا الْمَالِ فِي عَيْنِهِ، وَالْعَيْنُ قَدْ زَالَتْ بِالْمُبَادَلَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ نَمَاءَ التِّجَارَةِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالْبَيْعِ وَالتَّصَرُّفِ، فإذا بادل لِوُفُورِ النَّمَاءِ، وَنَمَاءُ الْمَوَاشِي يَفُوتُ بِالْبَيْعِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْحَوْلِ، فَإِذَا بَادَلَ اسْتَأْنَفَ لِفَقْدِ النَّمَاءِ والله أعلم.
[مسألة:]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَأَكْرَهُ الْفِرَارَ مِنَ الصَّدَقَةِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ بِالْمِلْكِ وَالْحَوْلِ لَا بِالْفِرَارِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ:
إِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ نِصَابًا فِي الْحَوْلِ، ثُمَّ أَخْرَجَ بَعْضَ النِّصَابِ عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ حُلُولِ الْحَوْلِ، لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ.
إِمَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا مِنَ الزَّكَاةِ، أَوْ غَيْرَ فِرَارٍ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فِرَارًا وَإِنَّمَا فَعَلَهُ مَعْذُورًا، كَمَنْ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ دَيْنُ دِرْهَمٍ قَضَاهُ قَبْلَ الْحَوْلِ، أَوْ مَعَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً أَكْثَرَ الْحَوْلِ وَعَلَيْهِ شَاةٌ مِنْ سَلَمٍ حَلَّتْ قَبْلَ الحول، قضاها من الأربعين في زَكَاةَ عَلَيْهِ لِنُقْصَانِ النِّصَابِ، وَلَا يُكْرَهُ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ مَا فَعَلَهُ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا كَمَنْ مَعَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً بَاعَ مِنْهَا قَبْلَ الْحَوْلِ شَاةً، أَوْ مِائَتَا دِرْهَمٍ أَنْفَقَ مِنْهَا دِرْهَمًا هَرَبًا مِنَ الزَّكَاةِ وَفِرَارًا مِنَ الْوُجُوبِ، فَفِرَارُهُ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ مُسِيءٌ بِهِ، وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ ولا تسقط عنه لفراره استدلالاً بشيئين:
أحدهما: أن الله تعالى تواعد لمن تعرض لإسقاط حق الله تعالى وَمَنَعَ الْوَاجِبَ فِيهِ بِإِتْلَافِ مَالِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أصْحَابَ الجَنَّةِ إِذْ أقْسَمُوا لِيَصْرِمُنْهَا مُصْبِحينَ وَلاَ يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنَ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوْا مُصْبِحينَ) {القلم: ١٧ إلى ٢١) وَذَاكَ أَنَّ الْقَوْمَ أَرَادُوا أَنْ يَتَعَجَّلُوا أَخْذَ ثِمَارِهَا قَبْلَ عِلْمِ الْمَسَاكِينِ بِهَا لِيَمْنَعُوهُمُ الْوَاجِبَ فيها، ألا ترى أنه تعالى قال: {فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أنْ لاَ يَدْخُلَنَّها اليَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) {القلم: ٢٣، ٢٤) فَإِذَا كَانَ الْوَعِيدُ عَلَيْهِ مُسْتَحَقًّا كَانَ فِعْلُهُ مُحَرَّمًا، وَفِعْلُ الْمُحَرَّمَاتِ لَا يَمْنَعُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى الْوَاجِبَاتِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ إِسْقَاطَ الْمَالِ كَاجْتِلَابِ المال، فلما كان اجتلاب المال لا يحمل بِوَجْهٍ مُحَرَّمٍ، مِثْلَ أَنْ يَقْتُلَ مُورِّثًا فَلَا يَرِثُهُ، كَذَلِكَ إِسْقَاطُ الْمَالِ لَا يَحْصُلُ بِوَجْهٍ مُحَرَّمٍ.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لا زكاة في مالٍ حتى يحول عليه الْحَوْلُ " وَمَا أَتْلَفَهُ لِأَجْلِ الْفِرَارِ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، وَالْبَاقِي دُونَ النِّصَابِ، فَاقْتَضَى أَنْ لَا تَلْزَمَهُ الزَّكَاةُ، فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أن