للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَ الزَّرْعَ مِنَ الْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالْمَوْزِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ.

فَصْلٌ

: وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مَا كَانَ شَجَرًا فَفِي جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ إِنَّ الْمُسَاقَاةَ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا اجْتَمَعَ فِي الْأَشْجَارِ مَعْنَى النَّخْلِ مِنْ بَقَاءِ أَصْلِهَا وَالْمَنْعِ مِنْ إِجَارَتِهَا كَانَتْ كَالنَّخْلِ فِي جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ بِأَرْضِ خَيْبَرَ شَجَرٌ لَمْ يُرْوَ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِفْرَادُهَا عَنْ حُكْمِ النَّخْلِ، وَلِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ مُشْتَقَّةُ الِاسْمِ مِمَّا يَشْرَبُ بِسَاقٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَبِهِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ، وَهُوَ قَوْلُ أبي يوسف إِنَّ الْمُسَاقَاةَ عَلَى الشَّجَرِ بَاطِلَةٌ، اخْتِصَاصًا بِالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَبَيْنَ الشَّجَرِ، أَحَدُهُمَا اخْتِصَاصُ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِمَا دُونَ مَا سِوَاهُمَا مِنْ جَمِيعِ الْأَشْجَارِ، وَالثَّانِي: بُرُوزُ ثَمَرِهِمَا وَإِمْكَانُ خَرْصِهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ سَائِرِ الأشجار، فأما إذا كان بين النخل قَلِيلٌ فَسَاقَاهُ عَلَيْهِمَا صَحَّتِ الْمُسَاقَاةُ فِيهِمَا وَكَانَ الشَّجَرُ تَبَعًا كَمَا تَصِحُّ الْمُخَابَرَةُ فِي الْبَيَاضِ الذي بين النخل ويكون تبعاً.

[مسألة]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ سِنِينَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي أَقَلِّ الْمُسَاقَاةِ فَأَمَّا أَكْثَرُ مُدَّتِهَا فَكَالْإِجَارَةِ فِي أَكْثَرِ مُدَّتِهَا، وَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَكْثَرِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ إِلَّا سَنَةً وَاحِدَةً لِزِيَادَةِ الْغَرَرِ فِيمَا زَادَ عَلَى السَّنَةِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ سِنِينَ كَثِيرَةً.

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَجُوزُ ثَلَاثِينَ سَنَةً، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَ الثَّلَاثِينَ حَدًّا لِأَكْثَرِ الْمُدَّةِ اعْتِبَارًا بِظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَذَهَبَ سَائِرُهُمْ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَيْسَ بِحَدٍّ لِأَكْثَرِ الْمُدَّةِ، وَلَهُمْ فِيهِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَالَهُ مِثَالًا عَلَى وَجْهِ التَّكْثِيرِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا يَبْقَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً.

فَعَلَى هَذَا فِي أَنَّ الْإِجَارَةَ تَجُوزُ سِنِينَ كَثِيرَةً، فَهَلْ ذِكْرُ أُجْرَةِ كُلِّ سَنَةٍ مِنْهَا لَازِمٌ فِيهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُ أَنْ يُبَيِّنَ أُجْرَةَ كُلِّ سَنَةٍ مِنْهَا.

وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُ. فَأَمَّا الْمُسَاقَاةُ فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، كَمَا لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ أَكْثَرَ مِنْ سِنَةٍ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: تَجُوزُ سِنِينَ كَثِيرَةً يُعْلَمُ بَقَاءُ النَّخْلِ إِلَيْهَا، كَمَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ سِنِينَ كَثِيرَةً.

وَهَلْ يَلْزَمُ ذِكْرُ نَصِيبِ الْعَامِلِ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِيهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَفَرْقًا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْإِجَارَةِ بِأَنَّ ثِمَارَ النَّخْلِ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ السِّنِينَ وَمَنَافِعَ الْإِجَارَةِ لا تختلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>