للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالحديث فضعيف، لأن رواية ابْنُ خَلِيفَةَ عَنْ جَسْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَالْأَفْلَتُ بْنُ خَلِيفَةَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ، عَلَى أَنَّهُ إِنْ صَحَّ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْمُقَامِ وَاللُّبْثِ

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْحَائِضِ وَصَاحِبِ النجاسة فمنتقص بِمَنِ احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِيَازُ فِيهِ إِجْمَاعًا، ثُمَّ الْمَعْنَى فِيهِ: مَا يَخَافُ على المسجد التي هي من الجنب ما مؤنة. وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُقِيمِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ أَمْرَ الِاجْتِيَازِ أَخَفُّ حُكْمًا مِنْ أَمْرِ الْمُقَامِ بِدَلِيلِ الْمُحْتَلِمِ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَصِحَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَرُدَّ الْأَخَفُّ مِنْهُمَا إِلَى الْأَصْلِ

وَالثَّانِي: أَنَّ اللُّبْثَ فِي الْمَسْجِدِ إنما أريد به القرية وَالْجُنُبُ لَا تَصِحُّ مِنْهُ أَفْعَالُ الْقُرْبِ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُ الذِّكْرُ فِي نَفْسِهِ وَذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، فَمِنْ أَجْلِ هَذَا لَمْ يُبَحْ لَهُ الْمُقَامُ فِيهِ وَالْعُبُورُ فِي الْمَسْجِدِ إِنَّمَا يَكُونُ لِغَرَضٍ أَوْ لِحَاجَةٍ، وَالْجُنُبُ فِيهِمَا كالمحدث فاستويا في حكم الاجتياز

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وأكره ممر الحائض فيه "

(القول في دخول الحائض المسجد)

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ أَمَّا مُقَامُ الْحَائِضِ فِي الْمَسْجِدِ وَلُبْثُهَا فِيهِ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا أُحِلُّهُ لِجُنُبٍ وَلَا حَائِضٍ " فَأَمَّا مُرُورُهَا فِيهِ وَعُبُورُهَا مِنْهُ فَعَلَى حَسَبِ حَالِهَا إِنْ لَمْ يَأْمَنْ مِنْ تَنْجِيسِ الْمَسْجِدِ لِغَلَبَةِ دَمِهَا وَسَيَلَانِهِ وَضَعْفِ شِدَادِهَا وَاسْتِرْخَائِهِ مُنِعَتْ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَحَرُمَ عَلَيْهَا الْعُبُورُ فِيهِ، وَإِنْ أَمِنَتْ سَيَلَانَ الدَّمِ لِضَعْفِهِ وَقُوَّةِ شِدَادِهِ جَازَ لَهَا الْعُبُورُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ كَالْجُنُبِ، لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْمُقَامِ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ وَإِنَّمَا اخْتَصَّتِ الْحَائِضُ بِتَحْرِيمِ الِاجْتِيَازِ فِيهِ لِمَا يُخَافُ مِنْ تَنْجِيسِ الْمَسْجِدِ بِدَمِهَا، فَإِذَا أَمِنَتْهُ زَالَ مَا اخْتَصَّتْ بِهِ مِنْ تَحْرِيمِ الِاجْتِيَازِ فِيهِ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لَهُ، وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُنَا الْبَصْرِيُّونَ يُطْلِقُونَ الْقَوْلَ فِيهَا وَيَمْنَعُونَهَا مِنَ اجْتِيَازِهَا، وَإِطْلَاقُهُمْ مَحْمُولٌ على ما ذكرناه مِنَ التَّفْصِيلِ فِي اعْتِبَارِهَا حَالَهَا، لِأَنَّ الْحِجَاجَ يَقْتَضِيهِ مَعَ تَصْرِيحٍ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا بِهِ

(دُخُولُ المستحاضة المسجد)

فأما المستحاضة إذ أَمِنَتْ سَيَلَانَ الدَّمِ جَازَ لَهَا دُخُولُ الْمَسْجِدِ والمقام فيه كالمحدث، وإن لم يأمن مِنْ سَيَلَانِهِ مُنِعَتْ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالِاجْتِيَازِ خَوْفًا مِنْ تَنْجِيسِ الْمَسْجِدِ بِدَمِهَا، كَالْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينِ الَّذِينَ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُمْ تَنْجِيسُ الْمَسْجِدِ لِإِرْسَالِهِمُ النَّجَاسَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ مَجَانِينَكُمْ وَأَطْفَالَكُمْ "

<<  <  ج: ص:  >  >>