للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِبَقَاءِ الْعَقْدِ عَلَى فَسَادِهِ، وَيَسْتَحِقُّ فِيهِ الْبَدَلَ، فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَصِيرُ الْعِوَضُ بِهَذَا الْفَسَادِ مَجْهُولًا أَمْ لَا؟ .

فَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ: قَدْ أَفْضَى ذَلِكَ إِلَى جَهَالَتِهِ لِأَنَّ الْأَجَلَ الْمَشْرُوطَ فِيهِ يَأْخُذُ مِنْهُ حَظًّا مَجْهُولًا فَصَارَ الْبَاقِي مِنْهُ مَجْهُولًا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لَهُ عَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ الْعِوَضَ الْمَجْهُولَ لَا مِثْلَ لَهُ وَلَا قِيمَةَ وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ الْعِوَضُ مَعْلُومٌ لَا جَهَالَةَ فِيهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ فِي أَجَلِهِ الْمَشْرُوطِ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى سُقُوطِه مَا قَابَلَهُ مِنَ الْعِوَضِ فَكَانَ مَعْلُومًا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِيمَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَهْرُ الْمِثْلِ.

وَالثَّانِي: مِثْلُ الْأَلْفِ.

(فَصْلٌ:)

وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَلْفًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْحَالِ طَلَاقًا يَسْتَدِيمُ تَحْرِيمَهُ إِلَى شَهْرٍ، فَإِذَا مَضَى الشَّهْرُ عَادَتْ إِلَى إِبَاحَتِهِ، فَهَذَا فَاسِدٌ، لِمَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَحْرِيمَ الطَّلَاقِ لَا يَتَقَدَّرُ وَزَمَانَهُ لَا يَنْحَصِرُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْخُلْعَ مَا مَلَكَتْ بِهِ نَفْسَهَا، وَهَذِهِ لَمْ تَمْلِكْ نَفْسَهَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالطَّلَاقُ قَدْ وَقَعَ مُؤَبَّدًا، لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِالشَّرْطِ، وَهُوَ عَنْ بَدَلٍ فَاسِدٍ.

فَعَلَى قَوْلِ الْبَغْدَادِيِّينَ هُوَ مَعَ الْفَسَادِ مَجْهُولٌ، فَيَكُونُ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ قَوْلًا وَاحِدًا.

وَعَلَى قَوْلِ الْبَصْرِيِّينَ هُوَ مَعَ الْفَسَادِ مَعْلُومٌ فَيَكُونُ فِيمَا يَرْجِعُ بِهِ قَوْلَانِ.

(فَصْلٌ:)

وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَلْفًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا مِنْ وَقْتِهِ إِلَى شَهْرٍ، فَأَيُّ وَقْتٍ طَلَّقَهَا فِيهِ قَبْلَ الشَّهْرِ وَقَعَ طَلَاقُهُ فِي الْخُلْعِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الشَّهْرِ لَمْ يَكُنْ خُلْعًا فَجَعَلَ الشَّهْرَ أَجَلًا لِصِحَّةِ الْخُلْعِ فِيهِ وَرَفْعًا لَهُ بَعْدَ تَقَضِّيهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْخُلْعَ صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْأَجَلَ لَمْ يَدْخُلْ فِي عَقْدِهِ، وَإِنَّمَا دَخَلَ فِي رَفْعِهِ وَأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى قَوْلِهِ: مَتَى أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَيَكُونُ خُلْعًا جَائِزًا، فَعَلَى هَذَا إِنْ طَلَّقَهَا فِي الشَّهْرِ، فَهُوَ طَلَاقٌ فِي خُلْعٍ صَحِيحٍ يَقَعُ بَائِنًا، وَيَسْتَحِقُّ الْأَلْفَ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الشَّهْرِ فَهُوَ طَلَاقٌ فِي غَيْرِ خُلْعٍ يَقَعُ رَجْعِيًّا، وَلَا شَيْءَ لَهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْخُلْعَ بَاطِلٌ، لِأَنَّ دُخُولَ الْأَجَلِ فِيهِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَ انْقِضَائِهِ كَدُخُولِهِ فِيهِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بَعْدَ انْقِضَائِهِ فِي أَنَّهُ مُؤَجَّلٌ غَيْرُ مُطْلَقٍ، فَعَلَى هَذَا، إِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الشَّهْرِ فَهُوَ طَلَاقٌ فِي خُلْعٍ فَاسِدٍ، يَقَعُ بَائِنًا وَيَصِيرُ الْبَدَلُ فِيهِ مَجْهُولًا عَلَى قَوْلِ الْبَغْدَادِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ جَمِيعًا، فَيَكُونُ لَهَا الْمِثْلُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الشَّهْرِ فَهُوَ طَلَاقٌ فِي غَيْرِ خُلْعٍ يَكُونُ رَجْعِيًّا وَلَا شَيْءَ لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>