رِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى أَسَاءَ وَلَمْ يَضْمَنْ، وَوَقَعَ ذَلِكَ مَوْقِعَ الْإِجْزَاءِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ قَطْعَهُمَا مِنْ خِلَافٍ نص يوجب مُخَالَفِهِ الضَّمَانَ، وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الحرابة اجتهاد فسقط لمخالفه الضَّمَانُ، وَإِذَا قَطَعَ حُسِمَ بِالزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ أَوْ بِالنَّارِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ فِيهِمَا، فَإِنْ أَحَبَّ الْمَقْطُوعُ أن يترك حسمه بالنار أو بالزيت فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يُجَابُ إِلَى ذَلِكَ وَلَا يُحْسَمُ؛ لِأَنَّهُ عِلَاجٌ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَالدَّوَاءِ.
وَالثَّانِي: لَا يُجَابُ إِلَيْهِ وَيُحْسَمُ جَبْرًا حِرَاسَةً لِنَفْسِهِ، وَإِنَّ فِعْلَهُ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى إِذْنِهِ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِهِ وَلَا يُشَهَّرُ بَعْدَ قَطْعِهِ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ نَكَالٍ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ إِلَّا أَنْ يَرَى الإمام أن قطعه لم يشتهر فِي أَهْلِ الْفَسَادِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُشَهِّرَ قدر ما يشتهر فيهم حاله ويخليه ليتصرف لنفسه أَيْنَ شَاءَ.
فَأَمَّا الْمَقْطُوعُ مِنْ أَطْرَافِهِ فَيُدْفَنُ وَلَا يُسْتَبْقَى إِلَّا أَنْ يَرَى الْإِمَامُ إِشْهَارَ أطرافه لِيَرْتَدِعَ بِهَا النَّاسُ فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَإِنِ الْتَمَسَ الْمَقْطُوعُ أَطْرَافَ نَفْسِهِ كَانَ أَحَقَّ بِهَا ليتولى دفنها، فإن أراد استبقائها لِتُدْفَنَ مَعَهُ إِذَا مَاتَ مُنِعَ.
(مَسْأَلَةٌ)
قَالَ الشافعي: " وَمَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ وَكَثُرَ أَوْ هِيبَ أَوْ كَانَ رِدْءًا عُزِّرَ وَحُبِسَ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صحيح، حدود الله تعالى عَلَى مَنْ بَاشَرَهَا دُونَ الرِّدْءِ الْمُعَاوِنِ عَلَيْهَا تيكيثر أو تهييب أَوْ نُصْرَةٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الرِّدْءُ الْمُكْثِرُ فِيهَا، وَالْمُهِيبُ كَالْمُبَاشِرِ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُتِلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قُتِلُوا، وَإِنْ أَخَذَ وَاحِدٌ مِنْهُمُ الْمَالَ قُطِعُوا؛ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ في الأرض فساداً} [المائدة: ٣٣] الآية فعم ولم يخص.
وَبِرِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يَحِلُّ قَتْلُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا فِي ثلاث خصال زان محصن فيرجم، ورجل قتل مُتَعَمِّدًا فَيُقْتَلُ بِهِ، وَرَجُلٌ خَرَجَ عَلَى الْإِمَامِ فحارب اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَيُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ أَوْ يُنْفَى مِنَ الْأَرْضِ) فَعَمَّ فِي الْمُحَارِبِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مُبَاشِرٍ وَمُكْثِرٍ.
وَمِنَ الْقِيَاسِ: أَنَّهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمُحَارَبَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ الرِّدْءُ والمباشر