اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ: هُوَ مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَفُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ أَنَّ لَهُ الْحَجْرَ عليها في مالها ومنعها عن التَّصَرُّفِ فِيهِ إِلَّا عَنْ إِذْنِهِ، فَصَارَ هَذَا الاختلاف شُبْهَةً لَهُ فِي مَالِهَا.
وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ: هُوَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ مَنْعِهَا مِنَ الْخُرُوجِ لِإِحْرَازِ مالها فصار الحرز معه واهياً، وَإِذَا قِيلَ بِالثَّانِي أَنَّهُ يُقْطَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَوَجْهُهُ شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا إِلَّا عَقْدٌ، وَالْعَقْدُ لَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الْقَطْعِ كَالْإِجَارَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ نَفَقَتَهَا مُعَاوَضَةٌ كَالْأَثْمَانِ وَدُيُونُ الْمُعَاوَضَاتِ لَا تُوجِبُ سُقُوطَ الْقَطْعِ كَسَائِرِ الديون، وخالفت نفقات الوالدين والمولدين لِخُرُوجِهَا عَنْ حُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ، وَإِذَا قِيلَ بِالثَّالِثِ أَنَّهُ يُقْطَعُ الزَّوْجُ وَلَا تُقْطَعُ الزَّوْجَةُ فَوَجْهُهُ شيئان:
أحدهما: أن نفقة الزوجية تستحقها الزوجة عَلَى الزَّوْجِ فَصَارَتْ شُبْهَةً لِلزَّوْجَةِ دُونَ الزَّوْجِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا فِي قَبْضَةِ الزَّوْجِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: ٣٤] فَصَارَ مَا في يدها مِنْ سَرِقَةِ الزَّوْجِ كَالْبَاقِي فِي يَدِ الزَّوْجِ فَلَمْ تُقْطَعْ فِيهِ، وَقُطِعَ فِي مَالِهَا؛ لِأَنَّهُ فِيهِ بِخِلَافِهَا.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا في قطعهما من الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ فَإِذَا سَرَقَ عَبْدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ كَانَ وُجُوبُ قَطْعِهِ فِيهِ خَارِجًا عَلَى الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ عَبْدُ الزَّوْجِ إِذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ الزَّوْجَةِ، وَلَا يُقْطَعُ عَبْدُ الزَّوْجَةِ إِذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي لَا تُقْطَعُ الزَّوْجَةُ فِي مَالِ الزَّوْجِ وَلَا يُقْطَعُ الزَّوْجُ فِي مَالِ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ يد العبد كيد سيده، ولذلك لم يُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ مَالِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُقْطَعُ عَبْدُ الزَّوْجِ إِذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ الزَّوْجَةِ، وَيُقْطَعُ عَبْدُ الزَّوْجَةِ إِذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ الزوج.
والوجه الثَّانِي: يُقْطَعُ عَبْدُ الزَّوْجِ إِذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ الزَّوْجَةِ، وَلَا يُقْطَعُ عَبْدُ الزَّوْجَةِ إِذَا سرق من مال الزوج.
والوجه الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُقْطَعُ عَبْدُ الزَّوْجِ إِذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ الزَّوْجَةِ، وَلَا يُقْطَعُ عَبْدُ الزَّوْجَةِ إِذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ إِذَا قِيلَ: يقطع الزَّوْجِ إِذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ الزَّوْجَةِ، وَلَا تقطع الزوجة إذا سرق من مال الزوج وهكذا إذا سرقت والد كل واحد منهما أو ولده مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ كَانَ وُجُوبُ قَطْعِهِمَا مِثْلَهُمَا على الأقاويل الثلاثة والله أعلم.
[(مسألة)]
قال الشافعي: " وَلَا يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ أَوْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ أَجْدَادِهِ مِنْ قِبَلِ أَيِّهِمَا كَانَ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سرق من مال أحد والديه وإن علو مِنَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ، وَلَا مِنْ مَالِ أَحَدٍ مِنْ مَوْلُودِيهِ وَإِنْ سَفَلُوا