وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ حَدَّانِ؛ لِأَنَّ المقذوف اثنان، فإن عفى الابن عن الحد صح عفوه، ولو عفى عَنْ حَدِّ أَحَدِهِمَا كَانَ لَهُ الْحَدُّ فِي قذف الآخر.
[(مسألة)]
قال الشافعي: " وَيَأْخُذُ حَدَّ الْمَيِّتِ وَلَدُهُ وَعَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي وَارِثِ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُّهَا: أَنَّهُ يَرِثُهُ ذُكُورُ الْعَصَبَاتِ دُونَ غَيْرِهِمْ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُمَا مَعًا مَوْضُوعَانِ لِنَفْيِ الْعَارِ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَرِثُهُ جَمِيعُ ذَوِي الْأَنْسَابِ دُونَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ لِاخْتِصَاصِهِ بِمَعَرَّةِ النَّسَبِ، فَخَرَجَ مِنْ مُسْتَحِقِّهِ مَنْ خَرَجَ مِنَ النَّسَبِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: يرثه جميع الورثة من دون الْأَنْسَابِ وَالْأَسْبَابِ كَالْمَالِ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا اسْتَحَقَّ بِالْإِرْثِ عَلَى مَا وَصَفْنَا كَانَ لِجَمِيعِهِمْ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ، فَلَوْ طَالَبَ بِهِ وَاحِدٌ منهم وعفى الباقون عنه كان للطالب بِهِ مِنْهُمْ أَنْ يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَهُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ.
والفرق بينهما من وجهين:
أحدهما: أنه فِي عَفْوِ الْقِصَاصِ يُرْجَعُ إِلَى بَدَلٍ هُوَ الدِّيَةُ، فَسَقَطَ حَقُّهُ بِعَفْوِ غَيْرِهِ، وَلَا يُرْجَعُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ إِلَى بَدَلٍ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْقُطَ حَقُّهُ بِعَفْوِ غَيْرِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ تَأْثِيرَ الْجِنَايَةِ لَا يَتَعَدَّى الْمَجْنِي عَلَيْهِ فَقَامَ جَمِيعُ وَرَثَتِهِ فِيهِ مَقَامَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا كَانَ لَهُ مِنَ الْحَدِّ بِقَدْرِ إِرْثِهِ، لِأَنَّهُ يَتَبَعَّضُ كَالدِّيَةِ.
قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الدِّيَةَ عِوَضٌ فَجَازَ أَنْ تَتَبَعَّضَ، وحد القذف لنفي المعرة فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَبَعَّضَ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الدِّيَةَ لَمَّا تَبَعَّضَتْ فِي الْوُجُوبِ جَازَ أَنْ تَتَبَعَّضَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَحَدُّ الْقَذْفِ لَمَّا لَمْ يَتَبَعَّضْ فِي الْوُجُوبِ لَمْ يَتَبَعَّضْ فِي الِاسْتِحْقَاقِ.
(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي: " ولو قَالَ الْقَاذِفُ لِلْمَقْذُوفِ: إِنَّهُ عَبْدٌ فَعَلَى الْمَقْذُوفِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْحَدَّ وَعَلَى الْقَاذِفِ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْحَدَّ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ لَقِيطًا أَوْ مَجْهُولَ النَّسَبِ فَادَّعَى أَنَّهُ حُرٌّ لِيَحُدَّ قَاذِفُهُ، وَأَنْكَرَ الْقَاذِفُ حُرِّيَّتَهُ، وَقَالَ: أَنْتَ عَبْدٌ فَلَا حَدَّ لَكَ عَلَيَّ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ اللَّقِيطِ اخْتِلَافَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي حُكْمِ اللَّقِيطِ، فَأَحَدُ قَوْلَيْهِ: أَنَّهُ مَجْهُولُ الأصل.