قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: ضَمَانُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَا يَصِحُّ لِارْتِفَاعِ الْقَلَمِ عَنْهُمَا وَكَذَلِكَ الْمُبَرْسَمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُمَا لِزَوَالِ عَقْلِهِمَا فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ قَالَ الْمُزَنِيُّ وَلَا مُبَرْسَمٍ يَهْذِي؟ ؟ أَيَكُونُ الْهَذَيَانُ شَرْطٌ فِي بُطْلَانِ ضَمَانِهِ؟ قُلْنَا لَا اعْتِبَارَ بِالْهَذَيَانِ فَمَتَى كَانَ المبرسم ذابل الْعَقْلِ بَطَلَ ضَمَانُهُ وَسَائِرُ عُقُودِهِ سَوَاءٌ كَانَ يَهْذِي أَمْ لَا، وَلِأَصْحَابِنَا عَنْ قَوْلِهِ يَهْذِي جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا زِيَادَةٌ ذَكَرَهَا الْمُزَنِيُّ لَغْوًا وَالْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ لَهَا فَائِدَةً، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُبَرْسَمَ يَهْذِي فِي أَوَّلِ بِرْسَامِهِ مَعَ قُوَّةِ جنسه فَإِذَا تَطَاوَلَ بِهِ أَضْعَفَ جِسْمَهُ فَلَمْ يَهْذِ، فَأُبْطِلَ ضَمَانُهُ (فِي الْحَالِ الَّتِي يَهْذِي فِيهَا لينبه على بطلان ضمانه) في الحالة التي هي أغلظ منها وهي الحالة الَّتِي لَا يَهْذِي فِيهَا. فَأَمَّا الْأَخْرَسُ فَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ الْإِشَارَةَ بَطَلَ ضَمَانُهُ وَسَائِرُ عُقُودِهِ، وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ الْإِشَارَةَ وَالْكِتَابَةَ فَضَمِنَ بِكِتَابَتِهِ وَإِشَارَتِهِ (صَحَّ وَكَذَلِكَ سَائِرُ عُقُودِهِ وَإِنْ ضَمِنَ بِإِشَارَتِهِ دُونَ كِتَابَتِهِ) صَحَّ ضَمَانُهُ لِأَنَّ بالإشارة أُقِيمَتْ فِيهِ مَقَامَ نُطْقِهِ. وَإِنْ. . ضَمِنَ بِكِتَابَتِهِ دُونَ إِشَارَتِهِ لَمْ يَصِحَّ ضَمَانُهُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْكِتَابَةِ لَمْ يَقُمْ فِيهِ مَقَامَ النُّطْقِ لِاحْتِمَالِهَا حتى تنضم إليه الإشارة فيزول إليه احْتِمَالُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا الْمَرِيضُ فَضَمَانُهُ مُعْتَبَرٌ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِتَرِكَتِهِ بَطَلَ ضَمَانُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَكَانَ قَدْرُ ضَمَانِهِ خَارِجًا مِنْ ثُلُثِهِ صَحَّ ضَمَانُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ مَا ضَمِنَهُ خَارِجًا مِنْ ثُلْثِهِ صَحَّ مِنْ ضَمَانِهِ قَدْرُ مَا احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ، وَبَطَلَ مِنْهُ مَا لَمْ يَحْتَمِلْهُ الثُّلُثُ، فَلَوْ ضَمِنَ مَالًا فِي مَرَضِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ ضَمَانِهِ بِدَيْنٍ يُحِيطُ بِتَرِكَتِهِ فَإِنَّ الدَّيْنَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ أَحَقُّ بِمَا نَزَلَ مِنَ الضَّمَانِ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ وَالضَّمَانَ تُطَوُّعٌ، وَلَا يُؤَثِّرُ تَأْخِيرُ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ تَقَدَّمَ الْإِقْرَارُ أَوْ تَأَخَّرَ، فَلَوْ ضَمِنَ مَالًا لِلْوَرَثَةِ بَطَلَ الضَّمَانُ، وَإِنِ احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ لِأَنَّ ضَمَانَهُ وَصِيَّةٌ لَا تَصِحُّ لِوَارِثٍ فَلَوْ ضَمِنَ فِي مَرَضِهِ مَالًا وَأَدَّاهُ فِي مَرَضِهِ وَمَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يَرْجِعُوا بِجَمِيعِ الْمَالِ إِنْ كَانَ الْمَضْمُونُ لَهُ وَارِثًا وَبِثُلُثَيْهِ إِنْ كَانَ الْمَضْمُونُ لَهُ أَجْنَبِيًّا.
فَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ فَضَمَانُهُ بَاطِلٌ لِبُطْلَانِ عُقُودِهِ وَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ فَضَمَانُهُ صَحِيحٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ معا ولا يشارك الضمون لَهُ الْغُرَمَاءَ لِأَنَّ مَا اسْتَحَقَّهُ بِالضَّمَانِ مُسْتَحْدَثٌ بَعْدَ الْحَجْرِ وَيَكُونُ مَالُ الضَّمَانِ فِيمَا يَسْتَفِيدُهُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ.
فَأَمَّا السَّكْرَانُ فَإِنْ كَانَ سُكْرُهُ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَضَمَانُهُ بَاطِلٌ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ سُكْرُهُ عَنْ مَعْصِيَةٍ فَضَمَانُهُ جَائِزٌ كَطَلَاقِهِ وَيَجِيءُ تَخْرِيجُ قَوْلٍ آخَرَ مِنَ الْقَدِيمِ إِنَّ ضَمَانَهُ بَاطِلٌ إِذَا قِيلَ عَلَى الْقَدِيمِ إِنَّ طَلَاقَهُ غَيْرُ وَاقِعٍ وَاللَّهُ أعلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute