للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَظْهَرُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْجَوَابِ عَنْهُ، لِأَنَّه قَدْ يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الدَّعْوَى مَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا، مِنْ ثُبُوتِ نَسَبٍ وَاسْتِحْقَاقِ مِيرَاثٍ، فَإِذَا صَحَّتْ دَعْوَاهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأَخَذَ الزَّوْجُ بِجَوَابِهِ عَنْهَا، فَلَهُ حَالَتَانِ: إِقْرَارٌ وَإِنْكَارٌ. فَإِنْ أَقَرَّ حُكِمَ بِثُبُوتِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا بِتَصَادُقِهِمَا فِي الْحَضَرِ وَالسِّفْرِ، عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ مَالِكٌ فَإِنْ أَنْكَرَهَا وَلَهَا بَيِّنَةٌ، سُمِعَتْ، وَحُكِمَ لَهَا بِالنِّكَاحِ.

وَإِنْ عَدِمَتِ الْبَيِّنَةَ، أُحْلِفَ لَهَا عَلَى إِنْكَارِهِ، فَإِنْ حَلَفَ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا، وَجَازَ لَهَا أَنْ تَنْكِحَ غَيْرَهُ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِنِكَاحِهِ، لِأَنَّ نِكَاحَهَا قَدْ زَالَ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ لَا تَكُونَ زَوْجَةً لَهُ، وَتَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ.

وَإِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ رَدُّتْ عَلَيْهَا، فَإِذَا حَلَفَ بَعْدَ نُكُولِهِ حُكِمَ لَهَا عَلَيْهِ بِالزَّوْجِيَّةِ، وَحَلَّ لَهُ إِصَابَتُهَا، وَالِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، وَإِنْ أَنْكَرَ الْعَقْدَ، لِأَنَّه قَدْ حُكِمَ بَيْنَهُمَا بِالزَّوْجِيَّةِ فَكَانَ الْحُكْمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَطْعُهُ.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بالنكاح، ويحكم عليه بتحريم الاستمتاع، وليس حجود النِّكَاحِ طَلَاقًا، تَحْرُمُ بِهِ عَلَيْهِ، لِأَنَّه لَوْ كَانَ طَلَاقًا لَارْتَفَعَ بِهِ النِّكَاحُ، وَإِذَا كَانَ النِّكَاحُ بَعْدَهُ ثَابِتًا، امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا فَامْتَنَعَ أَنْ يَحْرُمَ عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاعُ.

( [دَعْوَى غَيْرِ النِّكَاحِ] )

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا دَعْوَى غَيْرِ النِّكَاحِ مِنْ سَائِرِ الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالرَّهْنِ، فَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ شُرُوطُ الْعَقْدِ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ فَأَوْلَى أَنْ لَا تُعْتَبَرَ فِي دَعْوَى غَيْرِهِ مِنَ الْعُقُودِ، لِأَنَّها إِذَا لَمْ تُعْتَبَرْ فِي الْأَغْلَظِ كَانَ أَوْلَى أَنْ لَا تُعْتَبَرَ فِي الْأَخَفِّ وَإِنِ اعْتُبِرَتْ فِي النِّكَاحِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اعْتِبَارِهَا فِي دَعْوَى غَيْرِهِ مِنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: يُعْتَبَرُ فِي دَعْوَاهَا شُرُوطُ الْعَقْدِ، سَوَاءٌ اسْتُبِيحَ بِهَا، ذَاتُ فَرَجٍ أَمْ لَا، لِأَنَّها قَدْ تُوجَدُ فِيهَا الصِّحَّةُ، وَالْفَسَادُ كَالنِّكَاحِ، فَيَقُولُ فِي دَعْوَى الْعَبْدِ ابْتَعْتُ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ وَافْتَرَقْنَا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ إِطْلَاقُ الدَّعْوَى، وَلَا تُعْتَبَرُ فِيهَا شُرُوطَ الْعَقْدِ وَسَوَاءٌ اسْتُبِيحَ بِهَا ذَاتُ فَرْجٍ أَمْ لَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ، لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي التَّغْلِيظِ بِاعْتِبَارِ الْوَلِيِّ وَالشَّاهِدَيْنِ فِي النِّكَاحِ، وَسُقُوطِ اعْتِبَارِهِ فِي الْبَيْعِ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: إِنِ اسْتُبِيحَ بِالْبَيْعِ ذَاتُ فَرْجٍ كَابْتِيَاعِ الْأَمَةِ اعْتُبِرَ فِي دَعْوَى ابْتِيَاعِهَا شُرُوطُ الْعَقْدِ، كَالنِّكَاحِ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَبَحْ بِهِ ذَاتُ فَرْجٍ كَابْتِيَاعِ الْبَهَائِمِ، وَالْأَمْتِعَةِ، لَمْ يُعْتَبَرْ فِي دَعْوَى ابْتِيَاعِهَا شُرُوطُ الْعَقْدِ لِتَخْفِيفِ حُكْمِهَا بِأَنَّهَا تُمْلَكُ بِالْإِبَاحَةِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا الْمُوَجِّهِ وَجْهٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>