أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي السِّرَايَةِ إِذَا انْتَهَتْ إِلَى النَّفْسِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَجِبَ فِيهَا إِذَا كَانَتْ دُونَ النَّفْسِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْقِصَاصُ فِيهَا إِذَا سَرَتْ إِلَى ذَهَابِ الْبَصَرِ وَجَبَ فِيهَا إِذَا سَرَتْ إِلَى طَرَفٍ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى سُقُوطِ الْقِصَاصِ فِي السِّرَايَةِ وَإِنْ وَجَبَ فِي الْجِنَايَةِ: أَنَّ مَا أَمْكَنَ مُبَاشَرَةَ أَخْذِهِ بِغَيْرِ سِرَايَةٍ كَانَ انْتِهَاءُ السِّرَايَةِ إِلَيْهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ، وَمَا لَمْ يُقْصَدْ بِالْجِنَايَةِ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْخَطَأِ فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى قَدْ فَرَّقْنَا بَيْنَ السِّرَايَةِ إِلَى النَّفْسِ فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تُؤْخَذُ إِلَّا بِالسِّرَايَةِ، لِأَنَّهَا مُغَيَّبَةٌ تَسْرِي فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ وَبَيْنَ السِّرَايَةِ إِلَى الطَّرَفِ فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ السِّرَايَةِ وَكَذَلِكَ السِّرَايَةُ إِلَى ذَهَابِ الْبَصَرِ، لِأَنَّهُ مَحْسُوسٌ غَيْرُ مُشَاهَدٍ لَا يُؤْخَذُ فِي الْأَغْلَبِ إِلَّا بِالسِّرَايَةِ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي الْجِنَايَةِ دُونَ السِّرَايَةِ قِيلَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ: أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي الْجِنَايَةِ بَيْنَ الْقِصَاصِ أَوِ الدِّيَةِ، فَإِنْ عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ فِيهَا إِلَى الدِّيَةِ كَانَ لَهُ دِيَةُ الْكَفِّ كُلِّهَا، وَهِيَ نِصْفُ الدِّيَةِ خَمْسُونَ مِنَ الإِبِلِ، وَكَانَ دِيَةُ الْجِنَايَةِ مِنْهَا وَهِيَ دِيَةُ الْأُصْبُع الْمَقْطُوعَةِ عَشْر مِنَ الإِبِلِ دِيَةَ عَمْدٍ مَحْضٍ تَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي حَالَّةً، وَفِي دِيَةِ السِّرَايَةِ إِلَى الْكَفِّ، وَهِيَ أَرْبَعُونَ مِنَ الإِبِلِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إنَّهَا لِسُقُوطِ الْقِصَاصِ فِيهَا دِيَةُ خَطَأٍ تَجِبُ مُؤَجَّلَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إنَّهَا دِيَةُ عَمْدٍ تَجِبُ حَالَّةً فِي مَالِ الْجَانِي، لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُ أَرْشِهَا، وَإِنْ طَلَبَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ فِي الْجِنَايَةِ اقْتُصَّ لَهُ مِنْ أصْبع الْجَانِي وَأُخِذَ مِنْهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ دِيَةِ الْكَفِّ لِذَهَابِهَا بِالسِّرَايَةِ عَنْ جِنَايَةٍ، وَذَلِكَ أَرْبَعُونَ مِنَ الإِبِلِ هِيَ دِيَةُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَأُصُولِهَا مِنَ الكَفِّ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا: هَلْ يَدْخُلُ فِيهَا أَرْشُ أَصْلِ الْأصْبع الْمَأْخُوذِ قَوَدًا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي حُكْمِ الْقِصَاصِ تَبَعًا لِدُخُولِهِ في حكم الدية تبعاً. [وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إنَّ أُصُولَ الْأَصَابِعِ مِنَ الكَفِّ تَكُونُ تَبَعًا] لَهَا فِي الدِّيَةِ وَلَا تَكُونُ تَبَعًا لَهَا فِي الْقِصَاصِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ أصابعه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute