للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهَا: فِي جِنْسِ الْإِيتَاءِ.

وَالثَّانِي: فِي قَدْرِهِ.

وَالثَّالِثُ: فِي وَقْتِهِ.

فَأَمَّا جِنْسُهُ: فَهُوَ مَا كَاتَبَهُ عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ، فَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤْتِيَهُ دَنَانِيرَ، وَلَا عَرْضًا وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى دَنَانِيرَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤْتِيَهُ دَرَاهِمَ وَلَا عَرْضًا، حَتَّى يَكُونَ الْإِيتَاءُ مِنْ كِتَابَةِ الدَّرَاهِمِ دَرَاهِمَ، وَمِنْ كِتَابَةِ الدَّنَانِيرِ دَنَانِيرَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣] فَإِنْ تَرَاضَيَا أَنْ يُؤْتِيَهُ عَنْ كِتَابَةِ الدَّرَاهِمِ دَنَانِيرَ أَوْ عَرْضًا، أَوْ عَنْ كِتَابَةِ الدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ أَوْ عَرْضًا، جَازَ، كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ إِذَا كَانَ دَرَاهِمَ، فَهِيَ الْمُسْتَحَقَّةُ فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ بِهَا دَنَانِيرَ أَوْ عَرْضًا جَازَ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِيتَاءَ مُسْتَحَقٌّ مِنْ جِنْسِ مَالِ الْكِتَابَةِ، فَهَلْ يَتَعَيَّنُ الْحَقُّ فِي الْمَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَتَعَيَّنُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ، وَيَجُوزُ لِلسَّيِّدِ إِذَا أَخَذَ مِنْهُ دَرَاهِمَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهَا إِنْ شَاءَ، أَوْ يُعْطِيَهُ مِثْلَهَا مِنْ غَيْرِهَا، كَالزَّكَاةِ يَكُونُ مُخَيَّرًا فِي إِخْرَاجِهَا مِنْ عَيْنِ الْمَالِ الْمُزَكَّى، أَوْ مِنْ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ حَقَّهُ مُعَيَّنٌ فِي الْمَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣] مَعْنَاهُ: الَّذِي آتَاكُمْ مُكَاتَبُوكُمْ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّكَاةِ، أَنَّ الْإِيتَاءَ حَطِيطَةٌ، وَالْحَطِيطَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ عَيْنِ الْمَالِ، وَالزَّكَاةُ مَعُونَةٌ يَسْتَوِي فِيهَا عَيْنُ الْمَالِ وَمِثْلُهُ، فَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْإِيتَاءُ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَتَرَاضَيَا بِغَيْرِ الْجِنْسِ، جَازَ أَنْ يَتَرَاضَيَا بِهِ مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ.

فَصْلٌ

وَأَمَّا الْقَدْرُ: فَقَدْ حُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِالرُّبُعِ وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالشَّرْعِ، وفيه وجهان:

أحدهما: انه معتبر بما انطلق عَلَيْهِ اسْمُ الْإِيتَاءِ، مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، حَتَّى لَوْ أَعْطَاهُ دِرْهَمًا مِنَ الْوَرِقِ أَجْزَأَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَتَقَدَّرْ بِشَرْعٍ وَلَا عُرْفٍ اعْتُبِرَ فِيهِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، أَنَّهُ يَتَقَدَّرُ بِالِاجْتِهَادِ مِنْ مِثْلِ تِلْكَ الْكِتَابَةِ، كَالْمُتْعَةِ الَّتِي رُوعِيَ فِيهَا عِنْدَ إِطْلَاقِهَا مُتْعَةُ الْمِثْلِ، اعْتِبَارًا بِحَالِ الزَّوْجَيْنِ، وَلَمْ يُرَاعَ فِيهَا مَا انْطَلَقَ عَلَيْهِ الِاسْمُ، كَذَلِكَ هَاهُنَا، لِأَنَّ مَا انْطَلَقَ عَلَيْهِ الِاسْمُ قَلِيلٌ لَا يُؤَثِّرُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي معونته.

<<  <  ج: ص:  >  >>