للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَعَلَى هَذَا يَأْتِي بِرَكْعَةٍ أُخْرَى، وَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّهُ لَا يُدْرِكُ الْجُمْعَةَ بِرَكْعَةٍ مُلَفَّقَةٍ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنَّمَا يُدْرِكُهَا بِرَكْعَةٍ كَامِلَةٍ غَيْرِ مُلَفَّقَةٍ، لِأَنَّ الْجُمْعَةَ كَامِلَةُ الْأَوْصَافِ، فَاعْتُبِرَ فِي إِدْرَاكِهَا رَكْعَةٌ كَامِلَةٌ، فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمْعَةِ، وَتَكُونُ ظُهْرًا فِي وَقْتِ الْجُمْعَةِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي وَقْتِ الْجُمْعَةِ مَعْذُورًا جَازَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْذُورٍ فَعَلَى قَوْلَيْنِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الزِّحَامِ هَلْ هُوَ مَعْذُورٌ بِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَعْذُورٌ بِهِ، فَعَلَى هَذَا يُتِمُّ صَلَاتَهُ ظُهْرًا أَرْبَعًا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِيَ: أَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ بِهِ، لِأَنَّ أَعْذَارَ الْجُمْعَةِ أَمْرَاضٌ مانعة، وليس الزحام منها، فَعَلَى هَذَا فِي صَلَاتِهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْقَدِيمُ جَائِزَةٌ، وَيَبْنِي عَلَى الظُّهْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. وَالثَّانِي: وَهُوَ الْجَدِيدُ بَاطِلَةٌ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا.

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا إِنْ أَمَرْنَاهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ السُّجُودِ فَخَالَفَ وَتَبَعِ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَلَهُ حَالَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِفَرْضِهِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِهِ. فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِفَرْضِهِ وَأَنَّ مَا فَعَلَهُ مَعَ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، لِإِخْلَالِهِ بِرُكْنٍ مِنْ صَلَاتِهِ عَامِدًا، ثُمَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الْإِحْرَامَ وَرَاءَ الْإِمَامِ: فَإِنْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا وَسَجَدَ مَعَهُ فَقَدْ أَدْرَكَ رَكْعَةً يُدْرِكُ بِهَا الْجُمْعَةَ، فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ أُخْرَى وَقَدْ تَمَّتْ صلاته. فإن لم يدركه راكعا أدركه سَاجِدًا أَوْ مُتَشَهِّدًا لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلْجُمْعَةِ، وَصَلَّاهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا.

وَإِنْ كَانَ قَدْ تَبِعَ الْإِمَامَ جَاهِلًا بِالْحُكْمِ مُقَدِّرًا جَوَازَ ذَلِكَ أَلْغَى هَذَا الرُّكُوعَ، وَلَمْ يَعْتَدَّ بِهِ، لِأَنَّ فَرْضَهُ السُّجُودُ، وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِهِ، لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مِنْ جِنْسِهَا عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ، فَإِذَا سَجَدَ مَعَهُ احْتُسِبَ لَهُ بِهَذَا السُّجُودِ، وَقَدْ حَصَلَتْ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ بِرُكُوعٍ مِنَ الْأُولَى وَسُجُودٍ مِنَ الثَّانِيَةِ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمْعَةِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمْعَةِ، وَيَكُونُ الْجَوَابُ فِيهِ عَلَى مَا مَضَى فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ.

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا إِنْ أَمَرْنَاهُ بِاتِّبَاعِ الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ، فَخَالَفَ وَاشْتَغَلَ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ مِنَ السُّجُودِ، لَمْ تَخْلُ حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِفَرْضِهِ أَوْ عَالِمًا بِهِ. فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِأَنَّ فَرْضَهُ اتِّبَاعُ الْإِمَامِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ، وَلَمْ يُعْتَدَّ بِمَا فَعَلَهُ مِنَ السُّجُودِ، وَتَبِعَ الْإِمَامَ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الصَّلَاةِ، فَإِذَا تَبِعَهُ نُظِرَ فِيمَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ، فَلَا يَخْلُو فِيهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُدْرِكَهُ رَاكِعًا فَيَرْكَعَ مَعَهُ وَيَسْجُدَ، فَهَذَا يَكُونُ كَمَنْ أُمِرَ بِاتِّبَاعِ الإمام فتبعه،

<<  <  ج: ص:  >  >>