للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِيهَا عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

وَقَالَ مَالِكٌ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: فِيهَا دِيَةُ الْمُوضِحَةِ وَحُكُومَةٌ فِي الْهَشْمِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدَّرَ دِيَةَ الْمُوضِحَةِ بِخَمْسٍ وَدِيَةَ الْمُنَقِّلَةِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ، وَأَغْفَلَ الْهَاشِمَةَ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْمُقَدَّرَةُ فِيهَا مَا قَدَّرَهُ دُونَ مَا أَغْفَلَهُ.

وَدَلِيلُنَا: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَدَّرَ الْهَاشِمَةَ عَشْرًا مِنَ الْإِبِلِ وَلَيْسَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْمُوضِحَةُ ذَاتَ وَصْفٍ وَاحِدٍ وَفِيهَا خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ وَكَانَتِ الْمُنَقِّلَةُ ذَاتَ ثَلَاثَةِ أَوْصَافِ إِيضَاحٍ، وَهَشْمٍ، وَتَنْقِيلٍ، وَفِيهَا خَمْسَ عَشْرَةَ وَجَبَ إِذَا كَانَتِ الْهَاشِمَةُ ذَاتَ وَصْفَيْنِ أَنْ تَكُونَ دِيَتُهَا بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ فَيَكُونُ فِيهَا عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ كَالَّذِي قُلْنَاهُ فِي نَفَقَةِ الْمُوسِرِ إِنَّهَا " مُدَّانِ " وَنَفَقَةُ الْمُعْسِرِ إِنَّهَا " مُدٌّ "، فَأَوْجَبْنَا نَفَقَةَ الْمُتَوَسِّطِ مُدًّا وَنِصْفًا، لِأَنَّهُ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، وَلِأَنَّ كَسْرَ الْعَظْمِ بِالْهَشْمِ مُلْحَقٌ بِكَسْرِ مَا تَقَدَّرَتْ دِيَتُهُ مِنَ السِّنِّ وَفِيهِ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ، فَكَذَلِكَ فِي الْهَشْمِ، فَصَارَ مَعَ الْمُوضِحَةِ عَشْرًا.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِي الْهَاشِمَةِ عَشْرًا مِنَ الْإِبِلِ فَلَوْ هَشَمَ وَلَمْ يُوضِحْ فَفِيهِ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَأَوْجَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي الْهَاشِمَةِ إِذَا انْفَرَدَ حُكُومَةً كَهَشْمِ أَعْضَاءِ الْبَدَنِ، وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَتَقَدَّرْ مُوضِحَةُ الْخَدِّ وَهَاشِمَتُهُ لَمْ يَتَقَدَّرِ انْفِرَادُ هَشْمِهِ وَلَمَّا تَقَدَّرَتْ مُوضِحَةُ الرَّأْسِ وَهَاشِمَتُهُ تَقَدَّرَ انْفِرَادُ هَشْمِهِ، وَهَذَا الْهَشْمُ مِمَّا لَا يُرَى فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إِلَّا بِإِقْرَارِ الْجَانِي أَوْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ مِنَ الطِّبِّ يَشْهَدَانِ بِاخْتِيَارِ الشَّجَّةِ أَنَّ فِيهَا هَشْمًا يَقْطَعَانِ بِهِ، فَلَوْ أَوْضَحَ وَهَشَمَ فَأَرَادَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنَ الْمُوضِحَةِ فِي الْعَمْدِ حُكِمَ لَهُ بِالْقِصَاصِ وَأُغْرِمَ دِيَةَ الْهَشْمِ خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ، وَلَوْ شَجَّهُ هَاشِمَتَيْنِ عَلَيْهِمَا مُوضِحَةٌ وَاحِدَةٌ كَانَتَا هَاشِمَتَيْنِ وَعَلَيْهِ دِيَتَاهُمَا، لِأَنَّهُ زَادَ إِيضَاحَ مَا لَا هَشْمَ تَحْتَهُ، وَلَوْ أَوْضَحَهُ مُوضِحَتَيْنِ تَحْتَهُمَا هَاشِمَةٌ وَاحِدَةٌ كَانَتْ مُوضِحَتَيْنِ، لِأَنَّهُ قَدْ زَادَهُ هَشْمَ مَا لَا إِيضَاحَ عَلَيْهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا هَشْمٌ فِي الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ فَهَلَّا كَانَ عَلَى وَجْهَيْنِ كَالْمُوضِحَةِ فِي الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ؟

قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا امْتِزَاجُ اللَّحْمِ بِالْجِلْدِ فِي الْمُوضِحَةِ، وَانْفِصَالُ الْعَظْمِ عَنِ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ فِي الْهَاشِمَةِ.

(فَصْلٌ)

وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ بين الموضحة والهاشمة شجة تسمى المفرشة وهي الْمُوضِحَةُ إِذَا اقْتَرَنَ بِهَا صُدَاعٌ، فَيُنْظَرُ فِي الصُّدَاعِ الْحَادِثِ عَنْهَا، فَإِنِ انْقَطَعَ وَلَمْ يَدُمْ فَلَا شَيْءَ فِيهِ سِوَى دِيَةِ الْمُوضِحَةِ، كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ فَآلَمَهُ وَإِنِ اسْتَدَامَ الصُّدَاعُ عَلَى الْأَبَدِ وَلَمْ يَسْكُنْ كَانَ فِيهِ مَعَ دِيَةِ الموضحة حكومة لا تبلع زِيَادَةَ الْهَاشِمَةِ، لِأَنَّهُ بِالِاسْتِدَامَةِ قَدْ صَارَ

<<  <  ج: ص:  >  >>