للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهَا: أَنْ يُهَادِنَهُمْ عَلَى تَرْكِ قِتَالِهِمْ عَلَى الْأَبَدِ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْطِيلِ الْجِهَادِ.

وَمِنْهَا: أَنْ يُهَادِنَهُمْ، وَلَيْسَ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى مُهَادَنَتِهِمْ؛ لِقُوَّتِهِ عَلَيْهِمْ وَعَدَمِ النَّفْعِ بِمُهَادَنَتِهِمْ.

وَمِنْهَا: أَنْ يُهَادِنَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا.

وَمِنْهَا: أَنْ يُهَادِنَهُمْ عَلَى إِظْهَارِ مَنَاكِيرِهِمْ فِي بِلَادِنَا مِنْ صُلْبَانِهِمْ وَخُمُورِهِمْ وَخَنَازِيرِهِمْ.

وَمِنْهَا: أَنْ يُهَادِنَهُمْ عَلَى إِسْقَاطِ الْجِزْيَةِ عَمَّنْ أَقَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ.

وَمِنْهَا: أَنْ يُهَادِنَهُمْ عَلَى تَعْشِيرِ أَمْوَالِنَا إِذَا دَخَلْنَا إِلَيْهِمْ.

وَمِنْهَا: أَنْ يُهَادِنَهُمْ عَلَى أَلَّا نَسْتَنْقِذَ أَسْرَانَا مِنْهُمْ، فَهَذِهِ وَمَا شَاكَلَهَا مَحْظُورَةٌ، قَدْ مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْهَا، فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهَا فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ، فَإِنْ شُرِطَتْ بَطَلَتْ، وَوَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ نَقْضُهَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رُدُّوا الْجَهَالَاتِ إِلَى السُّنَنِ، وَلَا تَبْطُلُ الْهُدْنَةُ، وَإِنْ كَانَتْ شَرْطًا فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْبُيُوعِ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي تَبْطُلُ بِفَسَادِ الشَّرْطِ؛ لِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ مِنْ جَهَالَةِ الثَّمَنِ، وَلَيْسَتْ بِأَوْكَدَ فِي عُقُودِ الْمُنَاكَحَاتِ الَّتِي لَا تَبْطُلُ بِفَسَادِ الْمَهْرِ، وَلَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يُعْلِمَهُمْ بُطْلَانَ الشُّرُوطِ قَبْلَ مُطَالَبَتِهِمْ بِهَا، فَإِنْ طَالَبُوهُ بِالْتِزَامِهَا أَعْلَمَهُمْ حِينَئِذٍ بُطْلَانَهَا فِي شَرْعِنَا، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَنَا الْعَمَلُ بِهَا. فَإِنْ دَعَوْهُ إِلَى نَقْضِ الْهُدْنَةِ نَقَضَهَا، إِلَّا أَنْ يَخَافَ مِنْهُمُ الِاصْطِلَامَ، فَيَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ، أَنْ يَلْتَزِمَهَا مَا كَانَ عَلَى ضَرُورَتِهِ كَمَا قُلْنَا فِي بَذْلِ الْمَالِ.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ، فَصُورَةُ مَسْأَلَتِنَا: أَنْ يُهَادِنَهُمْ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَنْ جَاءَنَا مُسْلِمًا مِنْهُمْ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَالَحَ قُرَيْشًا فِي الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى هَذَا، فَنَذْكُرُ حُكْمَهَا فِي صُلْحِهِ ثُمَّ نَذْكُرُهُ فِي صُلْحِنَا.

أَمَّا حُكْمُهَا فِي صُلْحِهِ، فَقَدْ كَانَتْ هُدْنَتُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ مَعْقُودَةً عَلَى هَذَا أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَنْ جَاءَهُ مُسْلِمًا مِنْهُمْ، فَجَاءَهُ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو مُسْلِمًا، فَقَالَ لَهُ سُهَيْلٌ: هَذَا ابْنِي أَوَّلُ مَنْ أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ، فرد إليه، وقال لأبي جندل: قد تم الصلح بَيْنَنَا، وَبَيْنَ الْقَوْمِ فَاصْبِرْ حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَكَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، ثُمَّ رَدَّ بَعْدَهُ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَأَبَا بَصِيرٍ، فَرَدَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ مِنَ الرِّجَالِ، ثُمَّ جَاءَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مُسْلِمَةً، فَجَاءَ أَخَوَاهَا فِي طَلَبِهَا، عِمَارَةُ وَالْوَلِيدُ ابْنَا عُقْبَةَ، وجاءت سعيدة زوجة صيفي بن الراهب مُسْلِمَةً، فَجَاءَ فِي طَلَبِهَا، وَجَاءَتْ سَبِيعَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةُ مُسْلِمَةً، فَجَاءَ زَوْجُهَا وَاسْمُهُ مُسَافِرٌ مِنْ قَوْمِهَا فِي طَلَبِهَا، وَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ قَدْ شَرَطْتَ لَنَا رَدَّ النِّسَاءِ وَطِينُ الْكِتَابِ لَمْ يَجِفَّ، فَارْدُدْ عَلَيْنَا نِسَاءَنَا، فَتَوَقَّفَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن

<<  <  ج: ص:  >  >>