[باب بيع الأمة]
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " إِذَا بَاعَهُ جَارِيَةً لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا فِيهَا مُوَاضَعَةٌ فَإِذَا دَفَعَ الثَّمَنَ لَزِمَ الْبَائِعَ التَّسْلِيمُ وَلَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى إِخْرَاجِ مِلْكِهِ مِنْ يَدِهِ إِلَى غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ لَا يَلْزَمُ دَفْعُ الثَّمَنِ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا لِلْجَهْلِ بِوَقْتِ دَفْعِ الثَّمَنِ وَفَسَادٌ آخَرُ أَنَّ الْجَارِيَةَ لَا مُشْتَرَاةٌ شِرَاءَ الْعَيْنِ فَيَكُونُ لِصَاحِبِهَا أَخْذُهَا وَلَا عَلَى بَيْعِ الصِّفَةِ فَيَكُونُ الْأَجَلُ مَعْلُومًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ إِلَى أَجَلٍ وَلَا لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ جَمِيلًا بِعُهْدَةٍ وَلَا بِوَجْهٍ وَإِنَمَا التَّحَفُّظُ قَبْلَ الشِّرَاءِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمُقَدِّمَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَاةَ يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا لَكِنِ اخْتَلَفُوا هَلْ يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا عَلَى الْبَائِعِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي؟ .
فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وأبي حنيفة وَمَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي مِلْكِهِ دُونَ الْبَائِعِ. وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: الِاسْتِبْرَاءُ وَاجِبٌ عَلَى الْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ وَاجِبٌ عَلَى الْبَائِعِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي.
وَأَمَّا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْحُرَّةَ لَمَّا وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا قَبْلَ عَقْدِ النِّكَاحِ اقْتَضَى أَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا قَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ.
وَأَمَّا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ بِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يَجِبُ لِحِفْظِ الْمَاءِ فَوَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَسْتَبْرِئَ لِحِفْظِ مَائِهِ السَّالِفِ وَوَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَ لِحِفْظِ مَائِهِ الْآنِفِ. وَالدَّلَالَةُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِأَصْحَابِهِ فِي سَبْيِ هَوَازِنَ: أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ، فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ عَلَى عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى الغانمين عن الوطء حتى يستبرؤوا بَعْدَ حُدُوثِ الْمِلْكِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْمَبِيعَةِ بَعْدَ حُدُوثِ الْمِلْكِ. وَمَوْضِعُ الدَّلِيلِ مِنْهُ عَلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْوَطْءِ حَتَّى يُوجَدَ اسْتِبْرَاءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ يَمْنَعُ مِنْهُ حَتَّى يَكُونَ الِاسْتِبْرَاءُ مَرَّتَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute