وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ لَهُ عَزْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ مُوَكِّلَهُ لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْإِذْنِ يَقْتَضِي تَوْكِيلَ ثِقَةٍ عَدْلٍ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ إِذَا أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمُوَكِّلِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يَكُونَ تَوْكِيلُهُ عَنِ الْمُوكِّلِ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَكِيلَيْنِ لِلْمُوَكِّلِ فَإِنْ عُزِلَ الْأَوَّلُ كَانَ الثَّانِي عَلَى وَكَالَتِهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يَكُونَ تَوْكِيلُهُ عَنِ الْوَكِيلِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْوَكِيلُ الثَّانِي وَكِيلًا لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ. فَإِنْ عَزَلَ الْمُوَكِّلُ الْوَكِيلَ الْأَوَّلَ انْعَزَلَ الْوَكِيلُ الثَّانِي وَبَطَلَتْ وَكَالَتُهُ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ إِذْنُهُ فِي التَّوْكِيلِ مُطْلَقًا من غير تصريح، من غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عَنِ الْمُوَكِّلِ أَوْ عَنِ الْوَكِيلِ فَيُنْظَرُ فِيهِ فَلَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ قَدْ عَيَّنَ لِلْوَكِيلِ عَلَى مَنْ يُوَكِّلُهُ. كَانَ الثَّانِي الْمُعَيَّنُ وَكِيلًا لِلْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ. لِأَنَّ فِي التَّعْيِينِ تَنْبِيهًا عَلَيْهِ. وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا لِلْمُوَكِّلِ كَالْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ جواز توكيله معتبر بإذنه.
والوجه الثاني: أنه يَكُونَ وَكِيلًا لِلْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ مُفَوَّضٌ إِلَى رَأْيِهِ. فَعَلَى هَذَا يَنْعَزِلُ الثَّانِي بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: إِمَّا بِعَزْلِ الْأَوَّلِ، وَإِمَّا بِعَزْلِ الْأَوَّلِ لَهُ وَإِمَّا بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ لَهُ.
وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَنْعَزِلُ إِلَّا بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ وَحْدَهُ. وَهَذَا إِذَا صَرَّحَ الْمُوَكِّلُ لِوَكِيلِهِ بِالتَّوْكِيلِ فَأَمَّا إِذَا عَرَضَ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ كَقَوْلِهِ قَدْ وَكَّلْتُكَ وَجَعَلْتُ إِلَيْكَ أَنْ تَعْمَلَ بِرَأْيِكَ أَوْ مَا صَنَعْتَ فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَهَلْ يَكُونُ مُطْلَقُ التَّفْوِيضِ يَقْتَضِي جَوَازَ التَّوْكِيلِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَقْتَضِيهِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ اعْتِبَارًا بِعُمُومِ التَّفْوِيضِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فِيهِ، لِأَنَّ ظَاهِرَ التَّفْوِيضِ يَنْصَرِفُ إِلَى فِعْلِهِ لَا إِلَى فِعْلِ غَيْرِهِ.
(فَصْلٌ)
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ تَكُونَ الْوَكَالَةُ مُطْلَقَةً لَا يَأْذَنُ لَهُ وَلَا يَنْهَاهُ عَنْهُ. فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ.
وَقَالَ أبو حنيفة: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا أَقَامَهُ فِيهِ مَقَامَ نَفْسِهِ جَازَ لَهُ التَّوْكِيلُ فِيهِ كَمَا يَجُوزُ لِنَفْسِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَقْصُودَ بِوَكَالَتِهِ حُصُولُ الْعَمَلِ الَّذِي وُكِّلَ فِيهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ