للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(باب أين يكون اللعان)]

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ لَاعَنَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ فَإِذَا لَاعَنَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا فِي مَكَّةَ فَبَيْنَ الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ أَوْ بِالْمَدِينَةِ فَعَلَى الْمِنْبَرِ أَوْ ببيت ففي مسجده وَكَذَا كُلُّ بَلَدٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا اللِّعَانُ فَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَاعَنَ بَيْنَ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ وَامْرَأَتِه وَبَيْنَ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي أَيَّامِهِ لِعَانٌ. غَيْرُ هَذَيْنِ - فَتَوَلَّاهُ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَرُدَّهُ إِلَيْهِمَا وَلِأَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ عِنْدَنَا - وَشَهَادَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَيُّهُمَا كَانَ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حَقٌّ إِلَّا بِحُكْمٍ، فَإِذَا ثَبَتَ اخْتِصَاصُهُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، فَاللِّعَانُ مَوْضُوعٌ لِلزَّجْرِ حَتَّى لَا يُقْدِمَ الْمُتَلَاعِنَانِ عَلَى دَعْوَى كَذِبٍ وَارْتِكَابِ مَحْظُورٍ، فَوَجَبَ تَغْلِيظُهُ بِمَا يَزْجُرُ عَنْهُ وَيَمْنَعُ مِنْهُ، وَتَغْلِيظُهُ يَكُونُ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: بِالتَّكْرَارِ، وَبِالْمَكَانِ، وَبِالزَّمَانِ، وَبِالْجَمَاعَةِ.

فَأَمَّا التَّكْرَارُ فَهُوَ إِعَادَةُ لَفْظِهِ بِالشَّهَادَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ يَقُولُ فِيهَا: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، وَيَلْعَنُ نَفْسَهُ فِي الْخَامِسَةِ إِنْ كَانَ مِنَ الكاذبين، وتكرر الزوجة شهادتها بالله أنه مِنَ الْكَاذِبِينَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَتَأْتِي فِي الْخَامِسَةِ بِغَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ نَصِّ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) [النور: ٦] .

وَتَكْرَارُ هَذَا الْعَدَدِ مُسْتَحَقٌّ وَشَرْطٌ فِي صِحَّةِ اللِّعَانِ، فَإِنْ تُرِكَ بَعْضُهُ وَإِنْ قال لَمْ يَصِحَّ اللِّعَانُ وَلَمْ يَتِمَّ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ تُرِكَ أَقَلُّهُ جَازَ، وَإِنْ تُرِكَ أَكْثَرُهُ لَمْ يَجُزْ وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ يَأْتِي، وَأَمَّا تَغْلِيظُهُ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَالْجَمَاعَةِ فَهُوَ مَشْرُوعٌ يُؤْمَرُ بِهِ الْمُتَلَاعِنَانِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ، وَلَا يُسْتَحَبُّ وَنَحْنُ نَدُلُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَشْرُوعٌ فَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى تَغْلِيظِهِ بِالْمَكَانِ وَاخْتِصَاصِهِ بِأَشْرَفِ الْبِقَاعِ الَّتِي يُتَوَقَّى فِيهَا الْإِقْدَامُ عَلَى الْفُجُورِ، فَرِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَاعَنَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَدَلَّ اخْتِصَاصُهُ بِالْمِنْبَرِ عَلَى تَغْلِيظِهِ بِهِ لِشَرَفِهِ، وَلِعَظَمِ الْعُقُوبَةِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْمَعَاصِي فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>