للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: إِنَّ وَطْءَ الْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ رِضًا لِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ وَطْءُ الْبَائِعِ رِضًا لِلْفَسْخِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ إِلَّا بِالْقَوْلِ، لَمْ يَصِحَّ إِمْسَاكُهُ وَالرِّضَا بِهِ إِلَّا بِالْقَوْلِ.

وَلَمَّا كَانَ الْمِلْكُ قَدْ يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ كَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِشَاشِ، جَازَ أَنْ يَكُونَ الرَّدُّ إِلَى الْمِلْكِ بِالْفِعْلِ يَفْسَخُ الْبَيْعَ فَيَصِحُّ بِالْفِعْلِ.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِنْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ، فَهِيَ أَمَتُهُ وَالْوَطْءُ اخْتِيَارٌ لفسخ البيع ".

قال الماوردي: وهذا صحيح، وإذا وَطِئَ الْبَائِعُ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، كَانَ فَسْخًا لِلْبَيْعِ عَلَى الْأَقَاوِيلِ كُلِّهَا، لِمَا ذَكَرْنَا: مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ لَمَّا حَصَلَ بِالْفِعْلِ، جَازَ أَنْ يَكُونَ الرَّدُّ إِلَيْهِ يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ حَيْثُ كَانَ بِالْوَطْءِ، وَبَيْنَ رَجْعَةِ الْمُطَلَّقَةِ، حَيْثُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ بِالْوَطْءِ:

لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ إِلَّا بِالْقَوْلِ لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ إِلَيْهِ إِلَّا بِالْقَوْلِ، وَالْمِلْكَ لَمَّا حَصَلَ بِالْفِعْلِ جَازَ أَنْ يَصِحَّ الرَّدُّ إِلَيْهِ بِالْفِعْلِ.

[مسألة:]

قال المزني: وَهَذَا عِنْدِي دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ، فَإِنْ وَطِئَ إِحْدَاهُمَا أَشْبَه أَنْ يَكُونَ قَدِ اخْتَارَهَا، وَقَدْ طُلِّقَتِ الْأُخْرَى، كَمَا جُعِلَ الْوَطْءُ اخْتِيَارًا لِفَسْخِ الْبَيْعِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَالَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَقُولَ لِإِحْدَى زَوْجَتَيْهِ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ أَوْ لِأَمَتَيْهِ: إِحْدَاكُمَا حُرَّةٌ، وَيُعَيِّنُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي إِحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَالْعِتْقِ فِي إِحْدَى أَمَتَيْهِ:

فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَطْءُ إِحْدَاهُمَا بَيَانًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ لِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ، لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ مُعَيَّنًا بِاللَّفْظِ قَبْلَ الْوَطْءِ.

وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ قَدْ أَبْهَمَ الطَّلَاقَ فِي زَوْجَتَيْهِ وَالْعِتْقَ فِي أَمَتَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَيَّنَهُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: الْوَطْءُ يَكُونُ اخْتِيَارًا لِإِمْسَاكِ الْمَوْطُوءَةِ وَطَلَاقِ الْأُخْرَى إِنْ كَانَتْ زَوْجَةً، وَعِتْقِهَا إِنْ كَانَتْ أَمَةً، كَمَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ: إِنَّ الْوَطْءَ لَا يَكُونُ بَيَانًا فِي الْمَوْضُوعِ وَإِنْ كَانَ بَيَانًا فِي فَسْخِ الْبَيْعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>