للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِوِلَايَةِ الْجَدِّ فِي الْمَالِ وَالتَّزْوِيجِ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ الْقُوَّةِ فِي الْمِيرَاثِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الِابْنَ لَا يَلِي وَلَا يُزَوِّجُ وَهُوَ أَقْوَى مِنَ الْأَبِ وَإِنْ وَلِيَ وَزَوَّجَ.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ شَارَكَهُ فِي مَوْضِعٍ لَشَارَكَهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ أن كل موضع ورث الجد فيه بالتعصيب الذي شارك فيه فإنه يشاركه في ميراثه لا لميراثهما فِي نَسَبِهِ، وَإِنَّمَا لَا يُشَارِكُهُ فِي الْمَوْضِعِ الذي لا يَرِثُ الْجَدُّ فِيهِ بِالرَّحِمِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَخِ رَحِمٌ يُسَاوِيهِ فِيهَا.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ الْجَدَّ لا يخلو من أحوال ثلاثة: فالجواب عنه أن الجد والإخوة مجتمعون على الْإِدْلَاءِ بِالْأَبِ فَلَمْ يَضْعُفْ عَنْهُ الْأَخُ لِلْأَبِ بعد الْأُمِّ لِمُسَاوَاتِهِ فِيمَا أَدْلَى بِهِ، كَمَا لَمْ يَقْوَ عَلَيْهِ الْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ بِأُمِّهِ، وَلَيْسَ كذلك حال الإخوة حالهم بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ، لِأَنَّهُمْ يُدْلُونَ بِكُلِّ وَاحِدٍ من الأبوين فكان من جمعهما أقوى من انْفَرَدَ بِأَحَدِهِمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

مَسْأَلَةٌ:

قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وكل جد وإن علا فكالجد إِذَا لَمْ يَكُنْ جَدٌّ دُونَهُ فِي كُلِّ حَالٍ إِلَّا فِي حَجْبِ أُمَّهَاتِ الْجَدِّ وَإِنْ بَعُدْنَ فَالْجَدُّ يَحْجُبُ أُمَّهَاتِهِ وَإِنْ بَعُدْنَ وَلَا يحجب أمهات من هو أقرب منه اللاتي لَمْ يَلِدْنَهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَدِّ الْأَدْنَى وَالْجَدِّ الْأَبْعَدِ في مقاسمة الإخوة والأخوات، فأبعدهم فيه كأقربهم، كما كان الْأَبْعَدُ فِي الْإِدْلَاءِ كَأَقْرَبِهِمْ، فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا جَعَلْتُمُ الْجَدَّ الْأَعْلَى كَالْجَدِّ الْأَدْنَى فِي مُقَاسَمَةِ الإخوة فهلا جعلتم بني الإخوة معهم كَالْإِخْوَةِ؟ قِيلَ الْمَعْنى فِي تَوْرِيثِ الْجَدِّ مَا فِيهِ مِنَ التَّعْصِيبِ وَالْوِلَادَةِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْبَعِيدِ كَوُجُودِهِ فِي الْقَرِيبِ، كَمَا أَنَّ مَعْنَى الِابْنِ فِي التَّعْصِيبِ وَالْحَجْبِ مَوْجُودٌ فِي ابْنِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَالُ الْإِخْوَةِ وَبَنِيهِمْ، لِأَنَّ مُقَاسَمَةَ الْإِخْوَةِ لِلْجَدِّ إِنَّمَا كَانَ بِقُوَّتِهِمْ عَلَى تَعْصِيبِ أَخَوَاتِهِمْ وَحَجْبِ أُمِّهِمْ، وَبَنُو الْإِخْوَةِ قَدْ عَدِمُوا هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فَلَا يَحْجُبُونَ الْأُمَّ وَلَا يُعَصِّبُونَ الْأَخَوَاتِ، فَلِذَلِكَ قَصَّرُوا عَنِ الإخوة في مقاسمة الجد ولم يقصروا في الْجَدِّ عَنْ مُقَاسَمَةِ الْإِخْوَةِ كَالْجَدِّ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَحُكْمُ الْجَدِّ الْأَعْلَى فِي الْمِيرَاثِ وَالْحَجْبِ وَمُقَاسِمَةِ الْإِخْوَةِ كَالْجَدِّ الْأَدْنَى إِلَّا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْجَدَّ الْأَدْنَى يُسْقِطُ سَائِرَ أُمَّهَاتِ الْأَجْدَادِ، لِأَنَّهُنَّ وَلَدْنَهُ، وَالْجَدُّ الْأَعْلَى لَا يُسْقِطُ أُمَّهَاتِ الْجَدِّ الْأَدْنَى، لِأَنَّهُنَّ لَمْ يَلِدْنَهُ، وإنما يسقط أمهات نفسه اللاتي وَلَدْنَهُ، ثُمَّ هُوَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ وَفِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ كَالْجَدِّ الْأَدْنَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بالصواب.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وإذا كان مع الجد أحد من الإخوة أو الأخوات لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَلَيْسَ مَعَهُنَّ مَنْ لَهُ فَرْضٌ مُسَمًّى قَاسَمَ أَخًا أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَخًا وَأُخْتًا فَإِنْ زَادُوا كَانَ لِلْجَدِّ ثُلُثُ الْمَالِ وَمَا بَقِيَ لَهُمْ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ الْجَدَّ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>