فنوع البيع نوعين: نوعا أثبت فيه الخيار بالشرط، ونوعا نَفَى عَنْهُ الْخِيَارَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ كَالنِّكَاحِ.
وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ فِيهِ خِيَارُ مَجْلِسٍ كَالنِّكَاحِ.
وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ كَالْكِتَابَةِ.
وَلِأَنَّهُ خِيَارٌ مَجْهُولٌ، لَمْ يُوجِبْهُ نَقْصٌ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ فِي الْبَيْعِ كَالْمَشْرُوطِ مِنَ الْخِيَارِ الْمَجْهُولِ.
وَلِأَنَّ تَأْثِيرَ التَّفَرُّقِ إِنَّمَا هُوَ الْفَسْخُ لَا اللُّزُومُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا إِذَا تَصَارَفَا، ثُمَّ افْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ، بَطَلَ الصَّرْفُ، وَإِذَا كَانَ تَأْثِيرُ التَّفَرُّقِ هُوَ الْفَسْخَ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَلْزَمَ بِهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الواحد مؤثرا في فسخ العقد وفي إلزامهما مَعًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ. وَلِأَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا لَزِمَ بِتَرَاضِيهِمَا بَعْدَ الْعَقْدِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اخْتَرِ الْبَيْعَ، فَيَخْتَارُ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَلْزَمَ بِتَرَاضِيهِمَا حَالَ الْعَقْدَ، وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، لِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ، إِنَّمَا هُوَ رِضًا مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا عِنْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مُكْرَهَيْنِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ.
فَصْلٌ:
وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ: ثُبُوتُ السُّنَّةِ بِهِ مِنْ خَمْسَةِ طُرُقٍ:
فَأَحَدُهَا: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ وَارِدٌ مِنْ طَرِيقَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ. وَالثَّانِي: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ.
فَأَمَّا نَافِعٌ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ".
وَالثَّانِي: رَوَاهُ الشَّافِعِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا تَبَايَعَ الْمُتَبَايِعَانِ الْبَيْعَ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مِنْ بَيْعِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونُ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ، فَإِنْ كَانَ عَنْ خِيَارٍ فَقَدْ وَجَبَ " قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا ابْتَاعَ الْبَيْعَ، فَأَرَادَ أَنْ يُوجِبَ الْبَيْعَ مَشَى قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ.
وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دينار عن أبي عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " الْبَيِّعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ يَكُونُ بَيْعُهُمَا عن خيار، فإذا كان البيع خِيَارٍ فَقَدْ وَجَبَ ".