مَقْبُولُ الْقَوْلِ عَلَى وَلَدِهِ إِذَا بَلَغَ رَشِيدًا فِيمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَفِيمَا دَفَعَهُ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْهُ، فَكَانَ بِقَبُولِ قَوْلِهِ عَلَى وَلَدِهِ أَوْلَى مِنْ وَكِيلِ الْحَيِّ.
وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ أَمِينَ حَاكِمٍ، فَقَوْلُهُ فِيمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ مَقْبُولٌ، وَفِيمَا رَدَّهُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ لِمَا نُدِبَ إِلَيْهِ مِنَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ: إِنَّ قَوْلَهُ فِي رَدِّ مَالِهِ عَلَيْهِ مَقْبُولٌ كَقَبُولِهِ فِي النَّفَقَةِ. وَهَذَا خَطَأٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَرَدِّ الْمَالِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ فِي حَالِ الصِّغَرِ وَحِينَ الْوَلَايَةِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهَا وَرَدَّ مَالِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِيهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى النَّفَقَةِ مُتَعَذِّرٌ، فَكَانَ قَوْلُهُ فِيهَا مَقْبُولًا، وَالْإِشْهَادُ عَلَى رَدِّ الْمَالِ مُمْكِنٌ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِيهِ.
وَهَكَذَا حَالُ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ يَسْتَوِي فِيهِ مَالُ الْأَبِ وَوَلِيِّ الْحَاكِمِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي النَّفَقَةِ وَلَا يُقْبَلُ فِي رَدِّ الْمَالِ بَعْدَ الرُّشْدِ.
وَإِنْ كَانَ وَلِيُّ الطِّفْلِ وَصِيًّا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ كَأَمِينِ الْحَاكِمِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي النَّفَقَةِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّ الْمَالِ لِأَنَّ وَلَايَتَهُ بِغَيْرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ كَالْأَبِ مَقْبُولُ الْقَوْلِ فِي النَّفَقَةِ وَرَدِّ الْمَالِ. لِأَنَّ الْأَبَ قَدْ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ. وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ أَمِينَ الْحَاكِمِ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَاكِمِ وَقَوْلَهُ فِي رَدِّ الْمَالِ غَيْرُ مَقْبُولٍ بِخِلَافِ الْحَاكِمِ فَكَذَا الوصي والله أعلم.
[(مسألة)]
قال المزني رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ جَعَلَ لِلْوَكِيلِ فِيمَا وَكَّلَهُ جُعْلًا فَقَالَ لِلْمُوَكِّلِ جُعْلِي قِبَلَكَ وَقَدْ دَفَعْتُ إِلَيْكَ مَالَكَ فَقَالَ بَلْ خُنْتَنِي فَالْجُعْلُ مَضْمُونٌ لَا تُبَرِّئُهُ مِنْهُ دَعْوَاهُ الْخِيَانَةَ عَلَيْهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَكَالَةَ تَجُوزُ بِجُعْلِ وَبِغَيْرِ جُعْلٍ وَلَا يَصِحُّ الْجُعْلُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا. فَلَوْ قَالَ: قَدْ وَكَّلْتُكَ فِي بَيْعِ هَذَا الثَّوْبِ عَلَى أَنَّ جُعْلَكَ عُشْرُ ثَمَنِهِ أَوْ مِنْ كُلِّ مِائَةِ دِرْهَمٍ فِي ثَمَنِهِ دِرْهَمٌ لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهْلِ بِمَبْلَغِ الثَّمَنِ وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. فَلَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ ثَوْبٍ بِجُعْلٍ مَعْلُومٍ فَبَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا فَلَا جُعْلَ لَهُ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِذْنِ بِالْبَيْعِ يَقْتَضِي مَا صَحَّ مِنْهُ. فَصَارَ الْفَاسِدُ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ جُعْلًا عليه.